"الجامع في اللغة": فصل من معجم مفقود

"الجامع في اللغة": فصل من معجم مفقود

07 نوفمبر 2019
(مقطع من عمل للفنان الجزائري رشيد قريشي)
+ الخط -

لم يُلتَفت إلى جهود وإسهامات علماء المغرب والأندلس في علوم اللغة والصناعة المعجمية، كما هو الحال بالنسبة إلى لغويّي المشرق. يعود ذلك لأسباب عديدة منها أقدمية الحواضر التاريخية في مصر والشام والجزيرة العربية والعراق وفارس، والتي أُنتج فيها العديد من المؤلّفات البارزة في زمن أسبق عن نظيراتها في الضفّة الأخرى.

كما أن جزءاً ليس باليسير من كتب الأندلسيين والمغاربة ضاعت أو تعرّضت إلى التلف، بعد سقوط غرناطة وبدء صراع طويل بين حكام كلّ من المغرب وإسبانيا، وقعت خلاله العديد من عمليات النهب والحرق لمكتبات المسلمين، وبقي منها العديد من الإصدارات المهمّة مثل "المحيط في اللغة": لإسماعيل بن عباد، و"المخصص": لابن سِيدَه الأندلسي.

في هذا السياق، صدر حديثاً عن "سلسلة تراثنا الرقمي" في "معهد المخطوطات العربية" كتاب "الجامع في اللغة.. قطعة من معجم مفقود" لأبي عبد الله محمد بن جعفر التميمي المعروف بـ"القزاز القيراوني"، بتحقيق الباحث العراقي أنور صباح محمد.

تشير المقدمة إلى أن "وصف هذا المعجم بما يدل على أهميته، بل كان دليلاً على مكانة مؤلّفه القزاز، قال الفيروزآبادي: "كان إمام عصره لغة ونحواً وأدباً: وجامعه شاهده"، ووُصف "الجامع في اللغة" بأنه أكبر كتاب "صُنّف في هذا النوع"، و"حسنٌ متقن متقارب كتاب التهذيب لأبي منصور الأزهري، رتبه على حروف المعجم..".

وحول سيرة المؤلّف، أورد صباح محمد أنه كان من أبرز علماء اللغة والنحو في عصره، في القيروان حيث نشأ ودرس وبدأ يعلّم الطلاب فيها، وله العديد من المؤلّفات مثل "العشرات في اللغة"، و"ذكر شيء من الحلى"، و"ما يجوز للشاعر في الضرورة"، وكلّها تمّ تحقيقها وطباعتها، إلى جانب "المثلث" الذي عُثر على جزء منه وحُقّق وطُبع أيصاً، بينما فُقد الكثير منها.

ويلفت أنه اعتمد في تحقيقه على قطعة فريدة، وهي مخطوطة في مكتبة "جامعة هارفرد" في الولايات المتحدة الأميركية، تتكوّن من تسع ورقات (يبدأ ترقيمها من 2 إلى 10) وتحتوي على جزء من حرف الباء، وناسخها هو علي بن الحسن بن أبي حنيفة، في عام 368هـ.

وفي شرح كلّ مفردة، يقدّم القيرواني ما يوضّح المعنى من آيات القرآن والأحاديث النبوية وأبيات الشعر ومرويات العرب ومأثورهم من الأقوال والأمثال، وما أورده علماء سابقون في مؤلّفاتهم، ويسهب في أمثلته وتفسيراته ما يعطي صورة أدق وأشمل حول استعمال مفردات العربية.

بتحقيق هذا الجزء من "الجامع في اللغة"، يؤكّد صباح محمد أن جانباً من سيرة القيرواني تُكشَف لأول مرة؛ يعني المتعلّق منها بالصناعة المعجمية، ما يضعه في مكانة متقدّمة توازي نظراءه من أمثال الزمخشري والبرمكي وأبو عبيدة الهروي.

المساهمون