"الحداثة والهولوكوست": وفق تأويل زيغمونت باومان

"الحداثة والهولوكوست": وفق تأويل زيغمونت باومان

04 نوفمبر 2019
(زيغمونت باومان)
+ الخط -

لطالما أشار المفكر البولندي البولندي زيغمونت باومان (1925 – 2017) إلى أن "إسرائيل" تستخدم الهولوكوست لتجعل من نفسها ضحية مستمرة تعيش اضطهاداً تاريخياً، وتشرعن انتهاكاتها، معتبراً أن الاحتلال الصهيوني مستوطنة من الكراهية والعنصرية.

في هذا السياق، صدرت ضمن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" النسخة العربية من كتابه "الحداثة والهولوكوست" الذي صدر عام 1989، بترجمة الباحثيْن المصرييْن حجاج أبو جبر ودينا رمضان، وتقديم المفكر العربي عزمي بشارة.

يعدّ الكتاب دراسة سوسيولوجية دقيقة عن جوهر الحداثة الغربية من خلال نقد الهولوكوست، ومحاولة جادة لتفكيك القوالب السائدة في فهم الحداثة، بالاستناد إلى بماكس فيبر وماكس هوركهايمر وتيودور أودورنو وحنة أرندت، وغيرهم من رواد نقد الحداثة الغربية. كما يعتبر تفكيكاً لمحاولة الغرب الحضاري تحديد معنى الإبادة النازية لليهود باختزالها وفرض منطقه الضيق عليها بنزعها من سياقها السياسي.

في مقدمة الترجمة العربية، وهي بعنوان "الحداثة وآليات تحييد الأخلاق"، يقول بشارة إن باومان انطلق في كتابه هذا من "اكتشافه وهماً وقع ضحيته، وهو أن كارثة إبادة يهود أوروبا (الهولوكوست) هي استثناء أو انقطاع في سيرورة الحداثة، وربما التاريخ بشكل عام، أو هي نوبة جنون أو شذوذ أصابت فئات من المجتمع الحديث. والكتاب بمجمله محاولة لتأسيس مقاربة سوسيولوجية للهولوكوست بوصفها جزءاً من الحداثة، أو وجهاً من وجوهها، وليست حالة من الشذوذ أو الجنون ناجمة عن انحراف عن الحداثة وطبيعتها".

بحسب بشارة، لو كان الهولوكوست مجرد استثناء أو شذوذ عن طبيعة الحداثة أو مرضاً عابراً ألمّ بها "لما كان ثمة حاجة إلى استيعابها في نظرية سوسيولوجية؛ فالنظرية تفترض بنية ما قائمة متكررة تحتاج إلى أنموذج نظري لفهمها وتفسيرها".

في الفصل الأول، "مقدمة: علم الاجتماع بعد الهولوكوست"، يقدم المؤلف مسحاً عاماً للاستجابات السوسيولوجية، أو بالأحرى الندرة الفاضحة للدراسات السوسيولوجية، بشأن بعض القضايا التي أثارتها دراسات الهولوكوست. ويتناول المؤلف الهولوكوست بوصفها اختباراً للحداثة الغربية، ومعنى سيرورة التمدن أو سيرورة التهذيب الحضاري الغربي، والإنتاج الاجتماعي للامبالاة الأخلاقية، والإنتاج الاجتماعي للعمى الأخلاقي، والعواقب الأخلاقية لسيرورة التهذيب الحضاري.

في الفصل الثاني، "الحداثة والعنصرية والإبادة (أ)"، يبحث باومان في بعض خصوصيات معاداة اليهود، وشذوذ اليهود من العالم المسيحي إلى الحداثة، والجماعة اليهودية بوصفها منشورات زجاجية، وأبعاد حديثة للشذوذ اليهودي، والجماعات غير القومية في عالم القوميات، وحداثة العنصرية.

ويبحث الفصل الثالث، "الحداثة والعنصرية والإبادة (ب)" في الانتقال من الخوف المرَضي من الآخر المختلف إلى العنصرية، وفي العنصرية بوصفها أحد أشكال الهندسة الاجتماعية، والانتقال من العزل إلى الإبادة.

يحاول باومان في الفصل الرابع، "الهولوكوست بين الأيقنة والأنسنة"، مواجهة مشكلة المزج الديالكتيكي بين طبيعية الهولوكوست وتفردها بين ظواهر حديثة أخرى.

يتصدى الفصل الخامس، "تعاون الجماعات اليهودية مع النازيين"، لمهمة شاقة وقاسية تتمثّل في تحليل أحد الموضوعات التي "نفضل ألا نتحدث عنها"، ويعني بذلك الآليات الحديثة التي تسمح بتعاون الضحايا في حفر قبورهم بأنفسهم، وكذلك الآليات التي تستلزم بالضرورة سلطة قاهرة تجرد الإنسان دومًا من إنسانيته على نحو يتناقض مع مبادئ سيرورة التهذيب الحضاري التي يتشدق بها المجتمع الغربي الحديث، متناولاً عزل الضحايا وصمت النخب الألمانية، ولعبة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والعقلانية الفردية في خدمة التدمير الجماعي، وعقلانية حماية الذات من الهلاك.

في الفصل السادس، "أخلاقيات الطاعة (قراءة في تجارب ميلغرام)"، يتناول المؤلف إحدى الصلات الحديثة للهولوكوست، أي علاقتها الوطيدة بأنموذج السلطة الذي وصل إلى حد الكمال في البيروقراطية الحديثة.

يمثل الفصل السابع، "نحو نظرية سوسيولوجية للأخلاق"، خاتمة ونتيجة نظرية للرؤى المتناقضة، وفيه يتتبع باومان الوضع الحالي للأخلاق في الصياغات المهيمنة للنظرية الاجتماعية، ويدافع عن مراجعة جذرية لهذا الوضع، وهي مراجعة من شأنها أن تركز على مقدرة الاستغلال الاجتماعي المتبدية للتباعد الاجتماعي، الجسدي والروحي على السواء.

أما الفصل الثامن والأخير، "ملحق: العقلانية والخزي الأخلاقي"، فيضمنه المؤلف محاضرة جائزة أمالفي الأوروبية (1990) بعنوان "الاستغلال الاجتماعي للأخلاق"، وكلمة ختامية لطبعة عام 2000 من الكتاب، عنوانها " واجب التذكر، لكن ماذا نتذكر؟".

المساهمون