"أنطولوجيا الفعل ومشكلة البينذاتية": في تجاوز ديكارت

"أنطولوجيا الفعل ومشكلة البينذاتية": في تجاوز ديكارت

30 أكتوبر 2019
يان لينيكا/ ألمانيا
+ الخط -

في كتابه الصادر مؤخراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" بعنوان "أنطولوجيا الفعل ومشكلة البينذاتية"، يهتم رجا بهلول بمفهوم الفعل من جوانبه الأنطولوجية والإبستيمولوجية، مقدماً محاولة في فهم العلاقات بين ما هو جسدي - طبيعي وقابل للملاحظة والدراسة العلمية في أفعال الإنسان، وما هو معنوي - ذهني، قد يخرج بتلك الأفعال عن نطاق ما يمكن فهمه اعتماداً على العلوم الطبيعية.

ينقسم الكتاب إلى سبعة فصول، أولها بعنوان "أحداث الطبيعة وأفعال الإنسان"، وفيه يعرض المؤلف إشكالية مفهوم "الفعل" من خلال التمييز بين الأحداث والأفعال. ويقصد بمصطلح الحدث كل ما يحدث على صعيد الطبيعة غير العاقلة، ويقصد بالفعل فعل الإنسان. يشير بهلول إلى بعض الالتباسات والصعوبات في التمييز بين الأفعال والأحداث.

وفي الفصل الثاني الذي حمل عنوان "القصدية والأفعال"، يبحث المؤلف في مفهوم الفعل الإنساني والقصدية والعلاقة بينهما، ما يفسح المجال لمناقشة الرأي القائل بوجود اختلاف كبير بين الطريق التي يسلكها العلم في تفسير الظواهر، على مستوى الطبيعة غير العاقلة، وتلك التي يسلكها في تفسير الظواهر الإنسانية والاجتماعية.

ومن هنا يفضي بها البحث إلى تناول "نظرية ’التفهم‘ ومشكلة البينذاتية" وهو عنوان الفصل الثالث، حيث يطرق المؤلف أبواب مسألة البينذاتية من خلال إثارة إشكالية إبستيمولوجية، تتعلق بمحدودية القدرة على التمييز بين الأفعال والأحداث. ويرى أنه لا مشكلة حقيقية في ما يتعلق بمعرفتنا بالأحداث على صعيد الطبيعة غير العاقلة، فنحن نستخدم الملاحظة من خلال حواسنا الخمس التي ندرك من خلالها كل ما تمكن ملاحظته في الحدث، في حدود قدرات البشر على الملاحظة الخارجية. لكن بعض المفكرين يقول إن هذا لا يكفي في العلوم الاجتماعية، ذلك أن أفعال الإنسان تشتمل على جوانب جوّانية لا يمكن الوصول إليها بالملاحظة الحسية، ما يستدعي ملاحظة علمية مختلفة. ويستخدم المؤلف مفهوم "التفهم" للتعريف بمشكلة البينذاتية، متوقفاً عند بعض أوجه القصور في هذه النظرة إلى منهجية العلوم الاجتماعية.

وفي الفصل الرابع، "أنطولوجيا الفعل"، يجابه المؤلف المسألة الأنطولوجية المترتبة على القول إن لفعل الإنسان جانبين: جانب جوّاني ينتمي الفعل من خلاله إلى عالم الذات، وآخر براني ينتمي الفعل من خلاله إلى عالم الطبيعة، طارحاً السؤال عن إمكانية تحليل فعل الإنسان إلى عنصرين: الجنس والفصل.

أما الفصل الخامس، فقد حمل عنوان "إبيستيمولوجيا الفعل"، وفيه يبحث المؤلف في تطويع الإبستيمولوجيا كي تتوافق مع النظرة الأنطولوجية لفعل الإنسان باعتباره وحدة غير قابلة للتحليل، عارضاً الحجج الريبية وبعض الحلول المقترحة لها.

وفي الفصل السادس، "حدود المعرفة وقابلية الخطأ"، يناقش المؤلف حدود المعرفة بفعل الإنسان، مؤيداً الرأي الذي يقول إن معرفتنا بالفعل الإنساني قابلة للخطأ، وإن في هذا ما يفسر الإمكانية النظرية للتمسك بموقف ريبي جذري تجاه وجود الآخر وذاتيته.

يختم بهلول كتابه بفصل بعنوان "تجاوز الإرث الديكارتي"، وهنا يعود إلى المسعى الأنطولوجي كي يربط نظرية الفعل بفلسفة الذهن، وكي يسوّغ محاولة القطع مع الإرث الديكارتي الثنائي. يعتبر بهلول أن هذا الأخير كان مسؤولاً عن الريبية من خلال تقسيم الفعل إلى حركات جسمانية ومقاصد، وتقسيم الإنسان إلى روح وجسد. يكتب: "سيتضح لنا أن قسمة الإنسان إلى روح وجسد هي صنو قسمة الفعل إلى حركات جسمانية ومقاصد، وأن الإصرار على وحدة الفعل وعدم قابليته للتحليل يجب أن يقابله إصرار على وحدة مفهوم الإنسان وعدم قابليته للتحليل".

المساهمون