"صنع العدو": تفكيك حالة الحرب والخروج منها

"صنع العدو": تفكيك حالة الحرب والخروج منها

08 اغسطس 2018
(بيير كونيسا)
+ الخط -

يسعى الباحث الفرنسي بيير كونيسا في كتابه "صنع العدو أو كيف تقتل بضمير مرتاح"، الذي صدر عام 2011، إلى مقاربة تساؤلات أساسية؛ مثل: لماذا نقتل أعداءنا؟ لماذا يكون لنا أعداء؟ ما الدور السياسي والاجتماعي الذي يؤدّيه العدو في المجتمعات المعاصرة؟

ضمن سلسلة "ترجمان"، يعيد "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" إصدار ترجمة الكتاب في طبعة ثانية ومنقّحة، أنجزها الباحث والمترجم السوري نبيل عجّان وراجعها الباحث اللبناني سعود المولى.

في هذا الكتاب، يفكّك كونيسا الكيفية التي تُبنى بها علاقة العداوة، ويُبتدع بها العدو قبل الذهاب إلى الحرب. لكنّ ما يجترحه المؤلّف لا يقلّ عن كونه قطيعة مع التحليل الاستراتيجي التقليدي، وتغييراً للطرائق التي كنا نتكلّم بها على الإستراتيجيا العسكرية؛ إذ يُبيّن أن الحساب الاستراتيجي الذي طالما آمنّا أنّه يُبنى على المنطق والعلم والمعارف التي تتوخّى الدقّة، لا ينفكّ يستند إلى خرافات وأيديولوجيات وأكاذيب متعمّدة نوعاً ما، بينما تكاد المعرفة بالواقع وبحالة الفاعلين المعنيين تكون معدومة.

يقع هذا الكتاب في سبعة عشر فصلاً، ويتناول المؤلّف في المقدّمة مفهومَي الحرب والعدو من خلال أسئلة ترجّ المسلّمات، على الرغم مما تبدو عليه من بساطة: لماذا يوجد العدو؟ ما صلته ببناء الهوية؟ من يصنع العدو؟

يحمل القسم الأوّل عنوان "ما العدو؟" ويناقش مسائل عدّة؛ ما الذي يجعل العدو ضرورةً، وما الذي يجعل فقدانه مثيراً للقلق، فيعود إلى أبرز المنظّرين وعلماء السياسة والحقوقيّين وعلماء الاجتماع والإستراتيجيين الذين تناولوا موضوع العدو والحرب. ويبيّن أن التفكير الاستراتيجي الكلاسيكي لا يُعنى كثيراً بالعدو قبل الحرب، وأنَّ العدو حدّ اجتماعي أكثر منه حقوقي، وأنّ الآخر ضروري لبناء الهوية وتوطيد الأواصر ضمن الجماعة وتهدئة قلقها.

في القسم الثاني؛ "وجوه العدوّ: محاولة تصنيف نمطي"، يحاول كونيسا وضعَ تصنيف غير نهائي بضروب الأعداء، لافتاً إلى أن أيّ أنموذج من النماذج المذكورة ليس نقيّاً تماماً؛ فالعدو غالباً مزيج مهجّن من أصناف ومكوّنات عدّة، والغاية من التصنيف هي بحثيّة أساساً.

يرى الباحث في القسم الثالث "تفكيك العدو"، أنه من الممكن العيش من دون عدو. فما دام الأخير بناءً، فمن الممكن تفكيكه. والسؤال هو عن كيفية ذلك، لا عن إمكانيته. لذلك، يعود كونيسا إلى عدد كبير من النزاعات التي شهدها العالم ليرصد ما عرفته من مصالحة واعتراف بالمسؤولية وتكفير عن الذنب وصفح ونسيان وعدالة وسوى ذلك من الطرائق الإبداعية للخروج من حالة الحرب والعداوة. كما يشير إلى أهمية الخطاب الرافض للحرب ولو كان أحادي الجانب.

في الخاتمة، يشير كونيسا إلى اشتداد عمليات صنع العدو خلال العقود المقبلة، وتحوّلها إلى قطاع إنتاج ضخم. ويبرّر انتقاده الديمقراطيات في سياق الكتاب، أكثر من الدكتاتوريات، بأنّ موضوعه هو تفكيك الآليات التي تؤمّن راحة الضمير قبل شنّ الحروب والذهاب إلى ساحاتها، ما يُساعد في استباق أسباب النزاعات وتقليصها.

المساهمون