"طواف فرنسا": حكايات صاحب القميص الأصفر

"طواف فرنسا": حكايات صاحب القميص الأصفر

31 اغسطس 2018
(من دورة 1995، إندورين بالقميص الأصفر، تصوير: باسكال روندو)
+ الخط -

في نهاية الشهر الماضي، اختتمت نسخة هذا العام من "طواف فرنسا"، وهو سباق مطوّل للدراجات، بات يعدّ من تقاليد الصيف الفرنسي، كما أنه أشهر سباق في رياضة الدرّاجات حيث يتنافس على "القميص الأصفر" (صاحب المركز الأول) أبرز الدرّاجين في العالم.

لا ينحصر هذا الموعد في إطاره الرياضي، حتى أن متابعيه ليسوا بالضرورة مطلعين على خفايا التنافس، إنما تعنيهم مسائل أخرى يحاول الكاتب الفرنسي جان بول أوليفييه أن يحدّدها في كتابه الذي صدر مؤخراً بعنوان "طواف فرنسا" (منشورات روبير لافون).

نسخة هذا العام هي العشرون بعد المئة. ينطلق المؤلف من هذا الرقم حيث يعتبر: "أن تتجاوز القرن يعني أن وراءك تاريخاً ليس بالهين"، لكنه يبيّن أن البعد التاريخي للتظاهرة لا يتعلق فقط بتراكم السنوات، وإنما بكونها مناسبة عرفت كيف تجدّد نفسها، خصوصاً كونها موعداً جماهيرياً يضيء التنوّع الثقافي في فرنسا، وفي أوروبا بشكل عام، فالسباق وهو ينتقل من محطة إلى أخرى، يمر عبر معالم تاريخية مثل قصور دوقات القرن الثامن عشر، وقلاع القرون الوسطى، ومواقع معارك الحروب العالمية، وغيرها.

حين يُذكر التاريخ لا بد أن تحضر الجغرافيا، وفي هذا السياق يشير أوليفييه إلى أن "طواف فرنسا" فرصة كي نرى "أبعد من باريس"، حيث تذهب الأضواء وهي تتتبّع الدرّاجين إلى جبال البرانس، وإلى حقول منطقة البورغوني، أو سواحل الأكيتان، ويكون ذلك مناسبة كي يتعرّف الجمهور على واقع مهن مثل البحارة والفلاحين والمشرفين على الجسور والسدود وغيرهم، ما يجعل من السباق أشبه بموسوعة أنثروبولوجية حول المكان، فكما تنقلنا أي موسوعة من مصطلح أو اسم علم إلى آخر ينقلنا السباق من مكان إلى آخر، ثم ينتهز الصحافيون الفرصة للغوص في حكايات معالمه ويوميات سكّانه في سبيل إثراء موادهم وتجديد متعة مشاهديهم.

ينقل الكتاب أيضاً تقلبات هذه الرياضة، من زمن كانت تغلب فيه روح الهواية ومتعة التسابق، إلى عقود قليلة إلى الوراء حين بدأت إكراهات التمويل تبرز أكثر فاكثر حتى أصبح "سباق الدراجات صورة من النظام العالمي" أي أنه بات محكوماً بقوى مهيمنة وأخرى تبقى على الهامش.

يتفرّع هذا الحديث إلى موضوع أشمل: تحوّلات أخلاقيات الرياضة، ويعتبر الكاتب في هذا الصدد أن سباق الدراجات كان المجال الذي تمظهر فيه هذا التحوّل أكثر من غيره من الرياضات، وهنا تتشعّب الحكايات داخل كواليس عالم الدراجات، ومنها لغز انتحار الدرّاج الإيطالي ماركو بانتاني (2004)، أو اعتراف صاحب الرقم القياسي في الحصول على "القميص الأصفر"، الأميركي لانس أرمسترونغ، بعد اعتزاله، أنه تناول المنشطات بطريقة لم يكن نظام اختبار المنشطات قادراً على كشفها.

تقودنا هذه الحكايات أيضاً إلى قصص حول المثابرة والصناعة النفسية للأبطال وحبّ اللعبة كما هو الحال مع البلجيكي إيدي ميركس أو الإسباني ميغيل أندورين، ثم كيف يتحوّل هؤلاء إلى نجوم بفضل الإخراج التلفزيوني، وحين يعتزلون يندمجون في مسالك المنظمات الخيرية الدولية. مع هذه الحكايات نتأكّد أكثر من أطروحة المؤلف، فقد خرج سباق الدراجات من دائرته الأصلية ضمن عالم الرياضة وتحوّل إلى جزء من الثقافة العامة.

دلالات

المساهمون