نديم غورسيل: حين كان الغرب يعرف تاريخ الإسلام جيّداً

نديم غورسيل: حين كان الغرب يعرف تاريخ الإسلام جيّداً

19 اغسطس 2018
حائط من السيراميك، آثار عربية في إشبيلية (فيرنر فورمان)
+ الخط -

يجمع الكاتب التركي المقيم في فرنسا، نديم غورسيل (1951)، بين جنسَين من الكتابة؛ السرد والدراسات الأدبية، وتحديداً في ما يُعرف بنمط "المحاولة الأدبية". ضمن جنس الكتابة الأوّل، له روايات أشهرها "المرأة الأولى" (1986). أما في الثاني، فمن أعماله "المشهد الأدبي في تركيا" (2000).

في إصداره الأخير، يبدو غورسيل وقد اختار الوقوف في نقطة تقاطُع بينهما، فكتاب "الحياة الثانية للنبي محمّد" (2018، منشورات "سيناراس")، عبارة عن بحث في كيفية استعادة سيرة حياة نبيّ الإسلام في الأدب الغربي، وهو يفعل ذلك ليس على طريقة البحوث الأكاديمية، بل من خلال سرد متشعّب ينتقل من محطّات في التاريخ الإسلامي إلى نصوص أدبية في لغات أوروبا.

يستقبل غورسيل القارئ بنسف التصوّر الشائع بأن النبي محمّد مجهول في الثقافة الغربية، حيث يشير بسخرية إلى أن الأمر لو كان كذلك فإن المدوّنة الأدبية التي سوف يشتغل عليها ستكون محدودة، غير أن العكس هو الصحيح، فهذه المدوّنة تستدعي مجموعة أسماء أساسية معروفة في الثقافة الغربية؛ بداية من دانتي وصولاً إلى سلمان رشدي وآسيا جبّار، ومروراً بفولتير وغوته وفيكتور هيغو وتولستوي وغيرهم.

هكذا، يضعنا الكاتب التركي أمام حقيقة لا يجري الاعتراف بها، خصوصاً في الإعلام، وهي حضور الإسلام البعيد في الأدب والفكر الغربيَّين، على عكس مقولات تريد أن تكرّس قناعة مفادها أن العقل الغربي لم ينشغل بالإسلام بعمق إلّا مع وصول الإسلام المتشدّد إلى أراضيه، ليبدأ في بناء حقل معرفي حوله باسم الإسلامولوجيا، إضافة إلى الفضاء الفرعي المعروف بالإسلاموفوبيا، وضمنه هناك من يعتبر أن ضربات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 هي لحظة وصول الإسلام إلى الغرب.

يدرس غورسيل كيف انشغل المؤلّفون الأوروبيّون بالنبي محمد، وهو ينأى بنفسه عن الحديث المكرور عن إقرار هذا المؤلّف أو ذاك بعبقرية الرسول، أو تحامُل أحدهم غير المبرّر عليه. ما يرصده هو كيف جرى بناء شخصية النبي في داخل أعمال إبداعية، وتصل به النتائج إلى أن الأدب الغربي اصطنع صورتَين: الأولى تاريخيّة جافة، والثانية فنيّة جرى فيها النظر إلى النبي كشخصية أدبية تتعدّد بحسب العالم التخييلي الذي توضع فيه.

يَعرف المؤلّف أن كتابه (وهو بالفرنسية) موجّه بالأساس إلى قارئ غربي، ولكنه لا ينسى أن يُشير إلى الشرق، حيث ثقافته الأمّ، ليؤكّد أن صورة النبيّ هناك جرى بناؤها بشكل مختلف تماماً ضمن ما يصطلح عليه بـ"السيرة النبوية"، والتي هي مضبوطة إلى حد كبير في أرجاء العالم الإسلامي، لكن يبقى السؤال المفتوح: هل يمكن للصور المتعدّدة التي ابتُدعت في الغرب أن تُغيّر هذا المعطى؟

المساهمون