"مسمّى العراق وتخومه": الجغرافيا كما تحدّدها الكلمات

"مسمّى العراق وتخومه": الجغرافيا كما تحدّدها الكلمات

22 يوليو 2018
(من أوابد إيوان كسرى في المدائن جنوب شرق بغداد)
+ الخط -

إذا كان العراق يعيش منذ سنوات تحت تهديد التقسيم، فإن هذا الأمر سينسحب على أكثر من مستوى، ومنها التسمية نفسها. تشظّي الجغرافيا يتبعه، بالضرورة، تشظّي الأسماء، وقد كانت تسمية البلدان دائماً لحظة شائكة وغامضة، فهي تعبير عن توافق شعبي حول هوية وانتماء، لذا فإن المسألة تمثّل مبحثاً مهمّاً خصوصاً في لحظات يجري فيها تصعيد الانقسامات على مستوى الهوية، كما هو حال العراق اليوم.

ضمن سلسلة "دفاتر أسطور"، صدر مؤخّراً كتاب "مسمّى العراق وتخومه في المدوّنات البهلوية الساسانية: دراسة في التاريخ الثقافي والأيديولوجي للمفهوم"، عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وهو عمل قريب من منهج الحفريات؛ حيث يعود مؤلّفه الباحث العراقي نصير الكعبي إلى مجموعة تسميات العراق، والمقصود بالمنطقة الجغرافية التي يمسحها، وذلك في إطار مرحلة تاريخية مفصلية تمتد بين ما قبل ظهور الإسلام، وفترة الإسلام المبكر، حين كان العراق تحت سيطرة الإمبراطورية الفارسية إلى حدّ كبير.

المدوّنة التي يعتمدها الكعبي تتمثّل أساساً في نصوص رسمية في البلاط الفارسي، وذلك بإعادة ترتيب عناصرها وقراءة بنيتها النصية وتفكيك نسيجها الداخلي لإدراك مدلولاتها، وبيان السياق التاريخي الذي تبلورت فيه، ورصد كيف تشكّلت تسمية العراق، وما حدودها الجغرافية في المدوّنات البهلوية - الساسانية.

يضمّ الكتاب أربعة فصول، الأول بعنوان "سورستان وإيحاءات التخوم الملكية"، حيث يضيء المؤلّف أولى الإشارات الموثّقة إلى مسمّى العراق في المصادر الأركيولوجية، وعلى وجه التحديد نقش شابور الأول في كعبة زرادشت الذي يظهر بثلاث لغات في الوقت ذاته (البهلوية والفرثية واليونانية)، ويشير إلى أن تسمية سورستان كانت سائدة حينذاك للدلالة على أراضي العراق اليوم.

يتتبّع الكعبي في فصل بعنوان "أيديولوجيا المسمّى" الأبعاد الثقافية والأيديولوجية المتوارية في إصرار المصادر الكتابية الرسمية والأدبية للدولة الساسانية على استعمال تسميات دون غيرها، ومنها بالخصوص سورستان. وهو قسم من الكتاب لا يمكن فصله عن الجزء الموالي بعنوان "دل إيرانشهر والكونية الزرادشتية"؛ حيث يشير إلى ظهور تسمية "دل إيرانشهر" من خلال النصوص الدينية أولاً، ثم انتشارها وتعميمها لينتزع الاسم الجديد الأولوية، وفي ذلك إشارة لترابط المطامح التوسّعية الإمبراطورية بالتخييلات الدينية.

أما في الفصل الأخير، "العراق: مكامن تواري المسمّى وإشهاره"، فيؤكّد الكعبي أن لفظ إيراك أو عراق صفة جغرافية كانت تُطلَق حصرياً على الأمكنة المنخفضة غير المرتفعة، وفي بعض من الأحيان على الجهات الجنوبية، غير أن هذه التسمية ستصبح هي الأكثر شيوعاً مع ضمور هيمنة الفارسيين في العراق، وصعود الحكم الإسلامي العربي في المقابل.

يظلّ سؤال التسمية مفتوحاً إلى يومنا هذا، خصوصاً أن التغيّرات لا تَلحق التركيب اللفظي فحسب، بل تمسّ الحمولات المعنوية المختلفة، والتي تتلوّن بحسب مؤثّرات عديدة، وتاريخ العراق كان دائماً مجالاً للتقلّبات الحادّة.

المساهمون