"لو عاد أفلاطون": خيال في الفلسفة

"لو عاد أفلاطون": خيال في الفلسفة

28 ابريل 2018
"صورة حديثة لأفلاطون"، من سلسلة فوتوغرافية لـ يورغوس كاراهاليس
+ الخط -

"ماذا لو كان أفلاطون معنا، ينظر إلينا ونحن نستعمل الهواتف الذكية، يعترضه المشرّدون واللاجئون في شوارعنا، يتابع مثلنا أخبار العمليات الإرهابية، يدعى من حين إلى آخر لانتخاب قادته السياسيين"، هكذا يضع الكاتب الفرنسي روجيه بول دروا الفيلسوف اليوناني القديم في عدد من وضعيات عالمنا المعاصر في عمل صدر مؤخراً عن منشورات "ألبان ميشال" بعنوان "لو عاد أفلاطون".

يقود المؤلفُ صاحبَ كتاب "الجمهورية" إلى لقاء دونالد ترامب وإمانويل ماكرون وبوب ديلان وآخرين من مشاهير زماننا، كما يعرض عليه المشاركة في قمة المناخ وأن يحضر بعض اجتماعات المحتجّين على النظام العالمي، ثم يدخل به إلى قاعة السينما التي تبدو له شبيهة بـ"الكهف" الذي تصورّه في أمثولته الشهيرة، غير أن الناس باتوا يدخلون الصالة المظلمة بمحض إرادتهم ولا يجدون أنفسهم مكبّلين داخلها.

إعادة أفلاطون إلى الحياة تبعها تنازل المؤلف على متعارف الكتابة الفلسفية، فهو لا يقدّم النظريات ولا حتى يستقرئ فكر أفلاطون أو يسقطه على مسائل عصرنا، إنه فقط يصطنع الوضعيات التي تثير التفكير عفوياً.

فهذه الجولة المتخيلة كانت مناسبة لأحد الآباء المعترف بهم في تأسيس الحضارة الغربية كي يروا أحوال الناس في القرن الحادي والعشرين، ومن ثمّ يعقد الفيلسوف الإغريقي مقارنات بين "المدينة الفاضلة" التي تظهر في كتاباته، وواقع البشرية اليوم، ولعل كتاب روجيه بول دروا ليس سوى محاولة للحديث عن الفارق الرهيب بين عالم المُثل والعالم كما هو، وهذا الفارق لا يقل عن الفارق الزمني الشاسع بين زمن أفلاطون وزمننا.

يمكن اعتبار الكتاب الجديد ابناً شرعياً لعدد من مؤلفات دروا السابقة، ثمة حبلُ سرّة مرئي بينه وبين كتاب "أساتذة التفكير" (2013) الذي يعتبر أحد أنجح كتب تبسيط الفلسفة في الثقافة الفرنسية، ولكن الكتاب يرتبط بالخصوص بعمل آخر بعنوان "كيف يمشي الفلاسفة" (2016) والذي نجد فيه نفس فكرة "لو عاد أفلاطون" ولكن بتوسّع أقل حيث اقترح المؤلف نزهات متخيلة مع فلاسفة عرفوا بعادة المشي مثل روسو وكانط ونيتشه.

في كل ذلك يشتغل دروا على طرق جديدة في تداول الفلسفة، يعتمد على السرد من جهة، ويغذّيه بالكثير من التخييل، وقد يشير لنا وهو يصطحب أفلاطون إلى أحد المطاعم أنه استلهم هذه التقنية من أفلاطون نفسه، فقد كان الأخير يصطنع الحكايات من أجل تمرير أفكاره.

بل إن دروا يسأل محاوره -في نوع من الوشاية بالمعاصرين- عن سرّ عدم استمرار هذه الطريقة في ورثته من الفلاسفة الذين قرّروا أن يجعلوا من مجالهم بناية شاهقة لا يدخلها إلا هم ومريدوهم.

المساهمون