"الفلاسفة والأنغام": ضدّ تجاهل الموسيقى

"الفلاسفة والأنغام": ضدّ تجاهل الموسيقى

29 مارس 2018
(من معرض للفنان التونسي نجا المهداوي)
+ الخط -

رغم تباعدهما الذي يبدو في الظاهر، فإن الفلسفة والموسيقى كانا دائماً متجاوبين، إذ استفاد الفلاسفة من الموسيقى وانشغلوا بها، وكان للفلسفة أثر في الموسيقى، خصوصاً الغربية منها. في ثقافتنا العربية، نجد أثراً لتباعد حاد بين المجالين، سواء بالعودة لتركيب هذا التاريخ المشترك، أو فهم راهن الظاهرة الموسيقية.

مؤخراً، أصدر الأكاديمي الجزائري كمال بومنير كتاب "الفلاسفة والأنغام" (منشورات "دار الأيام"، عمّان) مقدّماً محاولة في تتبّع كتابات الفلاسفة -منذ العصر القديم إلى الفترة المعاصرة- حول الموسيقى، مثل أفلاطون وأرسطو والفارابي وابن سينا من القدماء، وصولاً إلى ديكارت وهيغل وروسو وشوبنهاور ونيتشه وغيرهم من الفلاسفة الذين انشغلوا كثيراً بالمسائل الموسيقية وإشكالاتها في أعمالهم الفلسفية، مقاربين إياها بأسئلة من قبيل: ما طبيعة الموسيقى؟ وما علاقتها بفهم وتفسير العالم؟ وكيف تؤثّر في مشاعر وأحاسيس الإنسان وخياله وتصوّراته الذهنية؟ هل الموسيقى لغة مستقلة ومكتفية بذاتها؟

في حديثه مع "العربي الجديد"، يقول المؤلف: "ليس من شك في أنّه قد كان لكتابات هؤلاء الفلاسفة دور في تأسيس نظريات جمالية في فن الموسيقى، التي كان لها تأثير مباشر أو غير مباشر في مجرى تطوّر الموسيقى نفسها عبر تاريخها الطويل".

هل يأتي هذ العمل معزولاً أم ضمن مشروع متكامل؟ يجيب بومنير: "أشتغل على مجالين معرفيين، الأول متعلقٌ بالنظرية النقدية لـ"مدرسة فرانكفورت" من خلال أجيالها الثلاثة، والثاني هو الجماليات وفلسفة الفنون. والحقُ أنّ هذين المجالين مترابطان في نظري لأنّ مكانة الجماليات والفنون مركزية لدى فلاسفة مدرسة فرانكفورت، بما أنها أسهمت بقسط كبير في إحداث ما يسمى في الفلسفة المعاصرة بالمنعطف السياسي للجماليات The political turn of Aesthetics".

يضيف: "كتابي الأخير يندرج من دون شك ضمن اهتمامي واشتغالي على حقل الجماليات الذي عرف تطوّراً كبيراً في الفلسفة المعاصرة، ولا يخفى على الباحثين والدارسين المتخصّصين في هذا الحقل أنّ الجماليات أصبحت تطرح اليوم العديد من الإشكاليات الفلسفية المنفتحة في كثير من الأحيان على مسائل ومجالات أخرى، علمية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية".

في وجه آخر من السؤال، يقول: "لا يندرج الكتاب في مشروع متكامل، إنما هو إسهام منّي في تطوير وتعميق الدراسات الفلسفية في حقل الجماليات الموسيقية، التي لم يتم الاهتمام بها عندنا في العالم العربي بالقدر الكافي بالمقارنة مع ما ينتج وينشر ويترجم من أعمال متخصّصة في الجماليات الموسيقية في العالم. وربما قد أفاجئكم إن قلت لكم، وبكل صراحة، إنني لا أفضّل الحديث عن فكرة "المشروع المتكامل" في الحقل الفكري والأكاديمي لسبب بسيط؛ وهو أنّ فكرة المشروع ستؤدي بصاحبه -بحسب ما أعتقد- إلى نوع من "الانغلاق" الفكري والفلسفي الذي سيكون في نظري حاجزاً لعملية الإبداع الفلسفي، التي تتطلّب انفتاحاً مستمراً على الأفكار الفلسفية المتداولة اليوم على المستوى الكوني. علماً أنّ الدرس الفلسفي اليوم لم يعد مقصده الوصول إلى بناء نسق أو مشروع فكري أو فلسفي مغلق الذي يمكن أن يتحوّل في آخر المطاف إلى نوع من الدوغماتية الفلسفية على مستوى النظر والعمل".

وعن واقع الأبحاث العربية في الموسيقى، يقول بومنير لـ"العربي الجديد": "ليس من شك في أنّ الدراسات والأبحاث العربية المتخصّصة في مجال فلسفة الموسيقى قليلة، ولم تنل إلى حد اليوم الاهتمام الكافي في دراساتنا الفلسفية وبحوثنا الأكاديمية. وقد لا أجانب الصواب إذا قلت إنه آن الأوان حقاً أن نهتم بفلسفة الموسيقى والخوض فيها بحثاً ودراسة وتنقيباً، وأن تَدْرُجْ دراساتنا الفلسفية على تناولها والخوض فيها والاهتمام الجدّي بها قصد تجاوز حالة "التجاهل" الذي لقيته المباحث الموسيقية في دراساتنا أكثر مما لقيته الفنون الأخرى".

يذكر أن كمال بومنير أستاذ بقسم الفلسفة في "جامعة الجزائر 2". من أعماله المنشورة: "النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، من ماكس هوركهايمر إلى أكسل هونيث" (2010)، و"الجمالية المعاصرة:الاتجاهات والرهانات" (2012)، و"أكسل هونيث، فيلسوف الاعتراف" (2015)، و"الألوان والجمال: كتابات الرسامين التشكيليين من ليونارد دي فينشي إلى سالفادور دالي" (2015)، و"الفلاسفة والألوان: مقاربات فلسفية في فن الرسم" (2016)، ويصدر له قريباً كتاب بعنوان "في معنى الجميل: كتابات فلسفية-استطيقيّة".

المساهمون