"أسطور": من الآداب السلطانية إلى مدرسة الحوليات

"أسطور": من الآداب السلطانية إلى مدرسة الحوليات

15 مارس 2018
(يحيى الواسطي، من مخطوط من العصر العباسي)
+ الخط -

ينبني تحديث الدراسات التاريخية العربية على توسيع حقول التنقيب فيها من خلال تسليط الضوء على تاريخ البنى والأفكار والأوبئة والجنون والعواطف والمواضيع البيئية والجمالية ضمن مراجعات نقدية معمّقة، إضافة إلى تجديد مناهج البحث ذاتها.

مسارات عديدة يشتغل عليها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" من خلال مؤتمراته وندواته التي تصدّت لملفات عدّة؛ من أبرزها مناقشة مسألة التحقيب الكلاسيكي الأوروبي للتاريخ العربي ومن يكتبه، وهل من تاريخ للعرب وحدهم، ودور المؤرخ المعاصر تجاه كلّ هذه القضايا وتحليل تطوّر الكتابات حولها.

تبدو مجلة "أسطور" التي صدر عددها السابع مؤخراً عن "المركز"، مختبراً عملياً لتفاعل الأفكار والرؤى الجديدة في هذا الإطار، حيث تقوم الدورية نصف السنوية المحكّمة للدراسات التاريخية على البحث في المطموس والمسكوت عنه ومحاولة الوصول إلى نتائج وإجابات ممكنة للعديد من التساؤلات المطروحة.

"موقف بيزنطة الرسمي من الإسلام كما تخيّله أبو سفيان: تأثير المخيال في النظر إلى الذات وإلى الآخر"، عنوان الدراسة التي تضمّنها العدد لبشير العبيدي، حيث يرجّح عدم التقاء الزعيم المكّي مع هرقل، إذ حاول أبو سفيان حينها الاستفادة من موضوع السّفارة التي بعث بها النبي محمّد إلى هرقل عظيم الرّوم، ليختلق قصة لقائه المزعوم ضمن سياق تاريخي مخصوص؛ إذ كان يفكر في مكانته في المجتمع الجديد وفي صورته لدى المسلمين أكثر مما كان يفكر في صورة الإسلام.

يذهب نصير الكعبي، في دراسته "مصنفات الآداب السلطانية الساسانية في بلاط العباسيين الأوائل وسؤال الانتقال ومسوغاته"، إلى فهم دوافع ترجمة تلك الآداب واستخدامها لاحقاً في مواجهة المعارضين للدولة العباسية. أما عبد الحميد هنية، فقدّم بحثاً بعنوان "التجديد في مجال علم التاريخ في البلاد التونسية بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر ميلادياً"، يناقش فيه كيف صاغ المورّخ في تلك الفترة معرفة جديدة تقطع في جوانب عديدة مع التجارب التاريخية السابقة من دون وجود مؤسسة تحتضن علمه.

"في إنتاج المعرفة التاريخية بالمغرب"، دراسة يقف فيها عبد الرحيم بنحادة عند ثلاث لحظات أساسية؛ منتج المعرفة التاريخية وأجيال المنتجين، والمجالات التي خاض فيها المنتجون، وآليات نشر المعرفة التاريخية، بينما يدرس نور الدين ثنيو في "تواصل النخب والتشكيلات الجزائرية مع الحركة الإصلاحية"، تداول اللغة العربية من أجل الإفصاح عن الهوية في تلك المرحلة، ويتناول ياسين اليحياوي في "الذاكرة الجمعية موضوعاً للبحث التاريخي: دراسة في نماذج مختارة من مؤرخي الجيل الثالث لمدرسة الحوليات"، موضوعاً فرض أهميّته في عديد من أدبيّات المدرسة التاريخية الفرنسية.

احتوى العدد ثلاث مراجعات، حيث قدّم محمد العمراني كتاب "الأقلية الإسلامية في صقلية بين الاندماج والصدام وصراع الهوية (484 -591هـ/ 1091 - 1194م): مساهمة في دراسة تاريخ الأقليات"، لـ إبراهيم القادري بوتشيش، وراجع مصطفى الغاشي كتاب "جنة الكفار.. سفير عثماني في باريس سنة 1721"، لـ عبد الرحيم بنحادة، وقدّم بلال محمد شلش كتاب "درب الأشواك: صفحات من تاريخ المقاومة في فلسطين" (سيرة ذاتية)، لـ سليم حجة.

كما اشتملت المجلة على "ندوة أسطور" بعنوان "عندما يصبح التاريخ علم الدولة في العالم العربي"، والتي نظمها قسم التاريخ في "معهد الدوحة للدراسات العليا" يومي 15 و16 كانون الثاني/ يناير 2017، في الدوحة، وضمّت الندوة خمس أوراق بحثية قاربت الموضوع، وفق نماذج عربية متعلقة بعلاقة المؤرخ بالدولة، وقيم المواطنة والتحديث والكتابة التاريخية، والإصلاح، والأحداث المتخلية.

وضمّ باب "ترجمات"، في هذا العدد، فصلاً من كتاب كارلو غينزبرغ بعنوان "التاريخ الجزئي: شيئان أو ثلاثة أشياء أعرفها عنه". واختتمت المجلة أبوابها بتقرير ندوة حول كتاب "سجلات المحكمة الشرعية: الحقبة العثمانية، المنهج والمصطلح"، للباحث خالد زيادة.

المساهمون