"الشيخ عبدالله": مغامرات المستشار في الحجاز وفارس

"الشيخ عبدالله": مغامرات المستشار في الحجاز وفارس

10 فبراير 2018
عائلة في صحراء بقيق عام 1900
+ الخط -

وكيل سيارات فورد ومستشار الشؤون الخارجية، غير الرسمي، للملك عبدالعزيز، هاري سانت جون فيلبي (1885- 1960)، والذي بقي لفترة طويلة في منصبه، مستشاراً، وأحد معاوني الملك عبدالعزيز، يلجأ إليه للمشورة في تلك الفترات المهمة من التاريخ العالمي، بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي وقت لم يكن فيه حكم آل سعود قد توطد بعد. لم يترك فيلبي كل صغيرة أو كبيرة إلا ودوّنها، ونشرها في كتبه العديدة حول الحياة السياسية والاجتماعية في الجزيرة العربية.

إن قدومه إلى شبه الجزيرة العربية في سنة 1917، وحلوله في الرياض، وبقاءه إلى جانب الملك عبدالعزيز حتى وفاة هذا الأخير سنة 1953 ليختصر المهمة "الناجحة" التي أداها ضابط الاستخبارات البريطانية، ودوره الكبير في إزاحة العثمانيين من المنطقة.

طبعا، لا يمكن نسبة نجاح دور مثل هذا لرجل واحد، ولكن مذكراته ورحلاته، ومنها رحلته إلى الربع الخالي، حيث كان أول أوروبي يقطع هذه الصحراء، وإشرافه على ملفات حساسة ومصيرية ومن بينها المفاوضات على عقود النفط بعد اكتشافه سنة 1939، ويده الطولى في تأسيس شركة أرامكو، ثم أنه عاش وسط القصر في الرياض، ومذكراته المنشورة بعنوان "حاج في الجزيرة العربية"، والتي ترجمها إلى العربية عبدالقادر محمود عبدالله، وصدرت منذ 2001 في طبعتها الأولى عن العبيكان، وكتبه الأخرى: قلب الجزيرة العربية، بنات سبأ، نجود الجزيرة العربية، مغامرات النفط العربي، بعثة إلى نجد، وكتب أخرى، كلها وقائع وأحداث تدعو إلى تتبع ماهية هذه الشخصية، فهو كغيره من الرحالة الأوربيين، كانوا على دراية واسعة بالعالم العربي، واكتسبوا معرفة جيدة به وبصناع قراره السياسي، وربما تضعنا كتابتهم، في صلب الماضي، وتفتح أعين الدارسين والباحثين والجمهور على الحاضر ومشكلاته والمستقبل وما يحبل به من احتمالات.

يعي ضابط الاستخبارات البريطاني، فيلبي، أو الشيخ عبدالله، كما أطلق عليه بعد أن أسلم وصار مواظباً على الطقوس الدينية والعبادات مثله مثل أي مسلم في قصر الملك عبد العزيز في الرياض، يعي فيلبي جيدا أن جزيرة العرب واقعة في التقاطع الفعلي للمصير الإنساني، في منتصف الطريق بين الشمال والجنوب والشرق والغرب.

لكن هذه الجغرافيا التي كانت معزولة وتشاهد بحياد ما يجري أمامها من صراع، سرعان ما ستنخرط في عمق الحدث البشري بمجيء الإسلام، ومنذ زمن النبوة إلى الآن حاول العرب أن يكونوا جزءا من صناع التاريخ لا تابعين، لكن فترة الانحطاط، وتفوق الغرب التقني قد باعدا الهوة، إلى أن جاءت فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى وترتيباتها، لتعيد توزيع الأوراق من جديد في منطقة عربية أدمنت البقاء على الحياد، وفي منطقة شبه الجزيرة العربية، حيث لم يكتشف بعد الذهب الأسود الذي سيغير مصير المنطقة ويقلبه رأسا على عقب.

أهم ما في كتب الرحالة الأوروبيين أنهم يقدمون قراءة مختلفة للخطية التاريخية العربية، وربما امتلاكهم لأدوات تحليل مختلفة واقترابهم من عناصر الحقيقة بشكل أو بآخر، قد جعل من رحلاتهم تلك، مصادر لفهم المنطقة وتاريخها، وكل التشابكات المحيطة بها.

يتحدث فيلبي عن سنة 1931، وهي السنة التي عرف فيها عدد الحجاج من الدول الإسلامية والعربية انخفاضا بسبب تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت العالم وحالة الكساد، وقد كان عدد الحجاج يتجاوز 120 ألفا في السابق، لكنه انخفض بشكل كبير في سنة 1932 إلى 30 ألف حاج.

يقربنا فيلبي/الشيخ عبدالله، من الطقوس الرسمية لافتتاح موسم الحج، في تلك السنوات من بداية الثلاثينيات من القرن الماضي: "وفي تلك الأمسية نفسها بدأ الاحتفال الفعلي بالحج بحفل العشاء الملكي التقليدي في القصر، الذي كان قد دعي إليه ما بين 600 و700 ضيف، من بينهم أمان الله خان، الملك السابق للأفغان، والأمير أحمد سيف الدين، حفيد السلطان عبدالعزيز من بين بني عثمان، والوزير الأفغاني لدى القاهرة وممثلون آخرون للملك الحالي لأفغانسان الملك نادر خان، والسير أ.ك. غزنوي، من المجلس التنفيذي البنغالي، وآخرون أكثر من أن يذكروا، ممثلون تقريبا لكل قطر ومجموعة تدين بعقيدة الإسلام".

ربما لا نتوفر، في الكثير من الوثائق التاريخية على وصف دقيق لما كان يجري داخل القصور، وبالأخص لما يرسم تلك اللوحات الحية ريشة أجنبي، يقف عند التفاصيل الدقيقة، التي تبدو بالنسبة للعربي والمسلم، مسألة تقاليد موروثة لا جديد فيها.

ففي هذه الفترة، ثلاثينيات القرن الماضي، كانت أغلب البلاد العربية تحت نير المستعمر الإنكليزي والفرنسي والإيطالي والإسباني، والعديد من السلط المركزية، أغلبها ملكيات تحت الوصاية الاستعمارية، وليس لها أي دور فعلي في التأثير على الحياة العامة، أو أن هذا الدور محدود جدا، كما هو الأمر بالنسبة لبلدان المغرب العربي، والتي كانت مسيرة تسييرا كاملا من قبل الإدارة الأجنبية.

ومن الواضح جدا أن كتابة تاريخ تلك الفترة كان يعتوره الكثير من النقصان وعدم الشمول، وهذا لا يعود إلى أن ضعف في في كفاءة "كاتبي" ذلك التاريخ من شهود تلك المرحلة من أبناء الوطن، ولكن لأن دفق المعلومات والاطلاع على التفاصيل، هو ما يكان ينقص. ولذلك اليوم، تعتبر كتابات الأجانب، من رحالة ودبلوماسيين وسفراء ورجال استخبارات وأهل صناعة وفنانين ومتخصصين أقرب إلى الدقة، وهي وافية بالمعلومات التي هي مادة المؤرخ أو كاتب التاريخ.

يرصد فيلبي، التفاصيل الدقيقة في مجلس الملك عبدالعزيز، يكتب "بعد الفراغ من العشاء بالسرعة الشرقية المعروفة، تجمع الجمع الغفير في قاعة الاستقبال الفسيحة بالقصر ليستمتعوا بإلقاء الشعراء لقصائدهم الشعرية المناسبة لهذه المناسبة، شعراء الجزيرة العربية ومصر.

وتلت الخطب الشعر، بالعربية والأوردية، بل وبالإنكليزية، من السير أ.ك. غزنوي، الذي بدا غير مدرك، وبلا مبالاة، لعدم مناسبة الأسلوب البرلماني الأوروبي ولسان الكافر في مهد الإسلام عشية أروع ذكرة سنوية للعقيدة. كان أحد الخطباء الأوردو، بالمناسبة، قد خاطبه بأمير المؤمنين، اللقب التاريخي لخلفاء الإسلام".

المساهمون