ماثيو هِندمان.. خيبة الإنترنت في عقدها الثالث

ماثيو هِندمان.. خيبة الإنترنت في عقدها الثالث

27 نوفمبر 2018
بافل كوتشنسكي/ بولندا
+ الخط -

يذهب كتاب "فخّ الإنترنت: كيف يبني الاقتصاد الرقمي الاحتكارات ويقوّض الديمقراطية؟" للكاتب والأكاديمي الأميركي، ماثيو هِندمان (1976)، في الاتجاه نفسه الذي سار فيه مؤخّراً عدد من زملائه الذين وجّهوا سهام نقدهم إلى العصر الرقمي، وتحديداً إلى آثاره السلبية على المليارات من البشر، مثل سيفا فادياناثان في كتابه "وسائل التنافر: كيف يسهم فيسبوك في قطع العلائق بين الناس ويقوض الديمقراطية؟"، وويل ستور في كتابه "سيلفي: كيف أصبح الغرب مهووساً بالذات؟" (وكلاهما عرض في "العربي الجديد"، الأول في 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والثاني في السادس من الشهر الجاري).

هذا الموضوع يتناوله العمل، الصادر حديثاً عن "جامعة برينستون" الأميركية، ضمن ثمانية فصول؛ هي: "إعادة النظر في اقتصاد الانتباه"، و"الملعب المائل"، و"الاقتصاد السياسي للتخصيص"، و"الجغرافية الاقتصادية للفضاء السيبراني"، و"دينامكيات حركة الجمهور على الإنترنت"، و"الأخبار الرقمية المحلية: أقل من المعتاد"، و"أخبار أكثر ثباتاً"، و"طبيعة الإنترنت".

ضمن هذه الفصول، يحاول الكتاب توضيح مستوى السيطرة التي تمارسها منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسية على الخطاب السياسي وما يعنيه ذلك للعملية الديمقراطية.

يرى هِندمان أن ثمّةَ فخّاً للإنترنت وقع فيه كثيرون، وهو هنا يبحث تحديداً في ظاهرة الاحتكارات الرقمية التي ترفع علَمَها شركات كبرى، مثل "غوغل" و"فيسبوك"، تجني بموجبها الأرباح الهائلة من الأنشطة التي يمارسها البشر على الإنترنت.

تقوم أطروحة الكتاب على أن الإنترنت تمّ النظر إليها منذ البداية على أنها الوسيلة أو التقنية التي ستقوي من مبدأ تنوّع الجمهور وتعدُّد خياراته، وتصعّب من توجّه وسائل الإعلام نحو الاحتكار. لكن، وبدلاً عن ذلك، مكّنت الإنترنت المؤسّسات الكبرى من السيطرة على الوقت الذي يقضيه الناس في هذا الفضاء المفتوح، ومن ثمَّ الاستحواذ على قدر هائل من الأرباح الناتجة عمّا يسمى "اقتصاد الانتباه".

كرة الثلج
بحسب هِندمان، فإن المزايا الصغيرة لعملية جذب مستخدمي الإنترنت يمكن أن تتضخّم وتتحوّل، بمرور الزمن، إلى ما يشبه كرة الثلج. يجادل، هنا، بأن الإنترنت لم تخفّض من تكاليف الوصول إلى الجمهور، وإنما اكتفت بإعادة صياغة مفهوم من يدفع وكيف يدفع؟

وفيما يشبه تحدّياً لأكثر الأساطير رواجاً حول ما يمكن تسميته الحياة الرقمية، يشرح صاحب "أسطورة الديمقراطية الرقمية" (2008) لماذا لم تكن الإنترنت هي التكنولوجيا التي تم تسويقها للناس ما بعد العصر الصناعي؟ وكيف أصبح من المستحيل، من الناحية الحسابية، لطالبٍ حديث التخرُّج أن ينافس عملاقاً مثل "غوغل"؟ ولماذا لا يكفي الحياد وحده لإيجاد ما يمكن تسميته بالإنترنت المفتوحة؟

ويبيّن أستاذ الإعلام والشؤون العامّة في "جامعة جورج واشنطن" الأميركية كيف أن أسباب التحديات التي تواجه وسائل الإعلام الرقمية المحلّية واللاعبين الصغار في هذا المجال هي أسوأ ممّا تبدو عليه، موضّحاً ما يجب على هؤلاء بذله من مجهود حتى يتمكّنوا من الحصول على جمهور رقمي للبقاء على قيد الحياة في عالم الاقتصاد الرقمي الحالي.

جمهور حر؟
يؤكّد الكتاب أنه، وحتى في عالَم الإنترنت، لا يوجد حتى الآن ما يمكن تسميته بالجمهور الحر، معتبراً أننا نلج العقد الثالث من عمر شبكة الإنترنت، ولكن المحصلة أن قوى السوق تدفع الغالبية العظمى من حركة المرور على الشبكة والأرباح نحو مجموعة محدودة جدّاً من المواقع، من دون أي تغيير يلوح في الأفق.

ومن خلال فحصه الطريقةَ التي ازدهرت بها المؤسّسات الأشهر والأكثر شعبية على الإنترنت مثل "غوغل" و"أمازون"، يخلص المؤلّف إلى أن هذه المواقع استطاعت أن تكوّن جمهورها وتحافظ عليه من خلال تسخيرها ما يُعرَف بـ"الاقتصاد الكبير" الذي مكّنها من تجاوز كلّ العقبات.

ومعروف أن هذه المواقع الكبيرة لديها أعداد ضخمةٌ من الموظّفين وموارد هائلة تضمن لها أن تكون سريعة التحميل، وذات مظهر جذّاب، وسهلة الاستخدام، ويجري تحديث محتوياتها بشكل مستمرّ، وهو ما يضمن لها ثبات الجمهور وعودته إليها كلّما غادرها. ونتيجةً لذلك كلّه، استطاعت أن تحقّق إيرادات عالية من الإعلانات.

وبالمقابل، ثمّة افتراض أن مواقع المؤسّسات الإعلامية الصغيرة تعاني من مشكلة في الإيرادات، وليس في قلّة عدد الزوار فقط، فقد وجد هِندمان، من خلال تتبّعه قرابة 250.000 مستخدم للإنترنت في أكبر 100 موقع إعلامي محلّي في الولايات المتّحدة الأميركية، أن هذه المواقع الإخبارية المحلية تحصد مجتمعةً ما يقرب من سدس حركة الجمهور الباحث عن الأخبار عبر الإنترنت، وخمسين في المائة فقط من حركة المرور بشكل عام. وبهذه النتيجة، فإن التهميش الذي تتعرّض له هذه المواقع لا يتيح لها المساهمة بقدر وافٍ في النقاش السياسي العام في البلاد.

ويقدّم هاِندمان نصيحته لهذه المؤسسات للخروج من وضعها الحالي، تتمثّل في بناء مواقع أكثر ثباتاً وأقلّ تشويشاً، سريعة التحميل ومحدّثةً بشكل دائم. بيد أنه يؤكّد أن هذه المهمّة لن تكون سهلة وبسيطة، وإنما تتطلّب عملاً دؤوباً ومخطّطاً.

وبحسب تعليق لموقع "ذي كونفرسيشن" الأسترالي، فإذا كان تصوُّرنا لشبكة الإنترنت باعتبارها أداةً لتمكين المواطنين هو في الغالب محض سراب كما يطرح كتاب "فخ الإنترنت"، فقد حان الوقت لتنظيم المواقع الصغيرة بشكل أكثر فعالية من أجل خدمة المصلحة العامة للجمهور.

تفسير أسباب موت
ومنذ صدوره في أيلول/ سبتمبر الماضي، حظي الكتاب بتقريظ عدد من الشخصيات ذات العلاقة بموضوعه، مثل مايكل كوبس، المفوّض السابق لـ"لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية"، والذي يقول: "إن كنتَ تظن أنك على فهم ووعي بماهية الإنترنت، فربّما يكون اعتقادك هذا محلّ نقاش. عليك بقراءة هذا الكتاب".

أما الصحافي البريطاني في "الإيكونوميست"، كينيث كوكير، فيرى أن "فخ الإنترنت" ربما كان الكتاب الأفضل لتفسير أسباب موت مؤسّسات الإعلام بسبب قلّة الزوّار، وما يعنيه ذلك بالنسبة إلى السياسة والجمهور، وما يطرحه من عبء على وسائل الإعلام المعنية للخروج من ذلك المأزق.

يضيف كوكير أن كتاب هِندمان يحتوي بين دفّتيه لغةً أنيقة ورؤىً واعية وأمثلة حقيقة، مختتماً بالقول: "إن كان لمؤسّسات الإعلام المأزومة بسبب الإنترنت من مخلّص، فهو مؤلّف هذا الكتاب".

من جهته، يرى جيمس هاملتون، مؤلّف كتاب "محقّقو الديمقراطية: اقتصاديات الصحافة الاستقصائية" أن هِندمان يساهم بكتابه هذا في رفع مستوى الفهم التقليدي للإنترنت المفتوحة، ويفعل ذلك بأسلوب جذّاب ومناقشات دقيقة تُسهم، بلا شك، في استنارة القارئ ورفع مستوى إدراكه للموضوع.

وبحسب الباحث في "جامعة أوكسفورد"، رازموس كليس نيلسن، فإن الكتاب يُعتَبَر تذكيراً قويّاً لنا بأن فهمنا الثابت للإنترنت المتخيَّلة يحول، في أوقات كثيرة، بيننا وبين مواجهة التحدّيات الديمقراطية والاقتصادية التي تطرحها الإنترنت الحقيقية.

بحسب الأكاديمي الأميركي جيمس وبستر، مؤلّف كتاب "سوق الانتباه: ما هو شكل الجماهير في العصر الرقمي؟"، فإن "فخ الإنترنت" يقدّم تصحيحاً ضرورياً للغاية لمفاهيم ساذجة كانت ترى في الإنترنت مكاناً للمساواة؛ حيث يُمكن سماع جميع الأصوات، مضيفاً أن مؤلّفه قدّم كتاباً مهمّاً تُعتَبر قراءته ضرورية لكل من يريد أن يعرف عن الكيفية التي يعمل بها ما يُسمّى "اقتصاد الانتباه".

المساهمون