صدر قديماً: "يوم الإسلام" لـ أحمد أمين

صدر قديماً: "يوم الإسلام" لـ أحمد أمين

09 سبتمبر 2017
أحمد أمين
+ الخط -

لا شكّ في أن كتاب "يوم الإسلام" (1952) لا يحظى بنفس الشهرة والمقروئية التي تحظى بها الأجزاء التي سبقته من "موسوعة الثقافة العربية الإسلامية" لـ أحمد أمين (1886 - 1954)؛ "فجر الإسلام"، و"ضحى الإسلام"، و"ظُهر الإسلام".

كان قارئ هذه الأجزاء يجد صوراً متعدّدة من ازدهار المعارف والفنون، وكان أمين يتفنّن في جمع خيوطها وإظهار العلاقات الخفيّة بينها، متنقلاً بين الشعر والفلسفة وعلوم اللغة والدين ومآثر الحكّام والعلماء.

قرابة خمسة قرون نفض غبارها، مجدّداً حيويتها بما يستسيغه قارئ عربي في القرن العشرين في ما يشبه ورشة عملاقة تعيد تركيب عناصر الحضارة الإسلامية. كان أحد قرّائه طه حسين قد كتب حول هذه الموسوعة بأن واضعها "وصل بين الثقافة الأدبية والثقافة الدينية والفلسفية وصلاً متيناً، فقد كان الناس يعلمون أن للدين والفلسفة أثراً في الشعر والنثر، ولكنهم لم يكونوا يزيدون عن ذلك".

في "يوم الإسلام"، لن نجد الكثير من ذلك، بداية من هيكلة الكتاب الذي يأتي في فصل وحيد، ويغيب عنه التخطيط كما في سابقيه وبالتالي تلك القدرة على الإمساك بالتشعّب.

وفي الحقيقة، فإن "يوم الإسلام" عمل ظلمته ظروف كتابته، وهو ما يُطلعنا عليه المؤلف في مقدّمته، حيث أنه بعد أن فرغ من "ظُهر الإسلام" تعرّض لمشاكل في بصره، يقول: "ما جعل الأطباء يحرّمون عليّ كثرة القراءة وخصوصاً في الليل، والاستعانةُ بالغير لا تكفي"، وضمن هذه الظروف وضع عمله بالأساس اعتماداً على "مطالعات سابقة" فلم يكن ممكناً أن يكون في مستوى ما سبقه، فجاء مجرّد استكمال لمشروع بأدوات منقوصة.

ولكي نقرّب صورة هذا الكتاب فإنه يمكن القول بأنه نظير كتاب شهير في الغرب هو "تدهور الحضارة الغربية" لـ أوسفالد شبنغلر، غير أن ما يمكن ملاحظته هو اجتهاد أمين كي لا يأتي بتعبير صادم كـ "تدهور الإسلام"، أو "غروب/ مساء الإسلام" إذا أراد استكمال منطق الاستعارة التي ركّب بها عناوينه الأخرى، إذ يبدو أنه كان مُصرّاً على تحاشي كل ما يوحي بالنهايات أو التدهور.

أما العمل فينبني على استحضار للأسباب التي أدّت إلى تأخّر الإسلام، وكأنه إجابة مباشرة على سؤال عصر النهضة "لماذا تأخّر المسلمون وتقدّم غيرهم؟". ضمن تفسيراته، يعود مثلاً إلى انتقال الإسلام في عصوره الأولى من التنوّع الفكري إلى اختزاله في أقل القليل من الرؤى، فيشير "إن قلنا إن الإسلام الحاضر هو إسلام أبي الحسن الأشعري والغزالي لم نكن بعيدين عن الحقيقة"، أو وضعه تفسيراً اقتصادياً لتدهور العلوم العربية، حيث إن الملوك والخلفاء وبعد أن استقطبوا الشعراء (على عادة العرب) فاختزلوا الحياة الشعرية في البلاطات، فعلوا نفس الشيء مع العلماء فأتوا على الحياة العلمية أيضاً ووقفوا طموح العلماء على مِنح صغيرة يقدّمونها لهم.

ولا ينسى أمين أن يذكّرنا بتطاحن المذاهب والعرقيات والممالك تحت الغطاء الكبير للإسلام، بل يجد في هجمة المغول والصليبيين نتائج طبيعية لتلك الأسباب، وصولاً إلى زمنه حيث "تجدّدت الحروب الصليبية" (كناية عن الاستعمار).

في نفس سياق الكتابات التي تدرس تدهور حضارة، يمكننا استحضار كتاب آخر صدر بداية السنة الجارية في فرنسا؛ "تفسّخ" لـ ميشال أونفري الذي يقول هو الآخر بأن الحضارة الغربية تعيش انحطاطاً وأنها قريبة من الموت، وفي نفس العمل يذكر مقابل هذا الوضع الحضارة الإسلامية التي تأتي في هذا العصر جامحة وحية.

طبعاً، لا ينظر المفكّر الفرنسي إلى الحضارة العربية الإسلامية مثلما ينظر لها أحمد أمين، ولا يمكن له ذلك، فمن موقع خارجي ومتمركز على الراهن وعلى الغرب، تبدو الحضارة الإسلامية وقد ظهرت تواً من خارج الأفق المنظور، ليراها في أوج شبابها، مقابل الغرب المتهرّم. رغم هذه الصورة التي تبدو إيجابية إلى حد، نظلّ نلمس بهاء أكبر في ما يقوله أحمد أمين عن الحضارة الإسلامية رغم النبرة التشاؤمية التي يمرّرها العمل، وإن كان يختم موسوعته بإشارة أن هذه الحضارة لا يصلُح آخرُها إلا بما صلح به أوّلها.

المساهمون