"نهاية الشجاعة": قول الحقيقة بين السياسة والأخلاق

"نهاية الشجاعة": قول الحقيقة بين السياسة والأخلاق

07 سبتمبر 2017
جاكسون بولوك/ الولايات المتحدة
+ الخط -
في كتابها "نهاية الشجاعة: من أجل استعادة فضيلة ديمقراطية" الذي صدر عام 2010، تحاول أستاذة الفلسفة والمحلّلة النفسية الفرنسية سينتيا فلوري (1974) البحث في ما وراء إحباط النخب، خاصة في أوروبا، عبر جملة قراءات لعدد من الروائيين والفلاسفة، لفهم ذلك "الممّر السري بين الحياة والأبدي"؛ الذي يسمّى "الشجاعة".

ترى الكاتبة في دراستها التي نقلها إلى العربية الباحث المغربي عبد النبي كوارة، وصدرت مؤخّراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، أنه في لحظة ما، يواجه كلّ عصر من عصور التاريخ سقفه الكئيب، وكذلك يفعل الفرد حين تعترضه فترة إنهاك وتأكّل الذات، مشيرة إلى أن هذا هو اختبار نهاية الشجاعة.

وتلفت صاحبة "باثالوجيا الديمقراطية" (2005) أن "هذا الاختبار لا يضع ختماً لزوال عصر أو إنسان، لكنّه يبقى في أساسه شكلاً من أشكال العبور التلقيني؛ لحظة تَقابل مع الأصالة. فنهاية الشجاعة هي لحظة تصادم مع معنى الحياة الهاربة، هي السيطرة غير الممكنة على الزمن، وهي لقاء مع المحدودية والأهلية المحتملة للزمن الطويل. فعصور تاريخنا هي عصور استعمال الشجاعة واختفائها، ليس إلّا! في هذه الحالة، لا تستطيع الديمقراطية ولا الأفراد الصمود أمام الإذلال الخُلقي والسياسي".

يقع الكتاب في قسمين؛ الأول بعنوان "آيات الشجاعة"، والثاني، "سياسة الشجاعة"، ويتفرّع كلّ منهما إلى عناوين فرعية. في القسم الأول، وتحت العنوان الفرعي "الشجاعة أو ظلمة الضوء"، تقول فلوري إن "الإنسان المعاصر هو من يدرك ظلمة زمنه كشيء يخصه ولا يكف عن مساءلته"، وفي باب "الشجاعة ومعنى الخوف"، تلفت إلى أن الشجاعة "توفّق بين الاستقامة والمرونة. هي مرنة باعتبار إمكان تطابقها تماماً مع السعي الحثيث إلى الحياة والاستمرار في الحياة بدل الموت، لأن الاستمرار في الحياة والقبول بالموت هما سبيلان متناقضان، لكنهما ضروريان للشجاعة".

تحت عنوان "السويداء أو محنة الشجاعة"، تصف تواضع السويداء بأنه مغلوط وكبرياء نصف متأكّلة، وفي باب "لتكن الشجاعة نوراً للقلب"، تقارب أطروحات نيتشه الذي تعتبره منظّر الشجاعة الذي لا يصرح باسمه، لكنه يخضع فلسفته لمقاس خيباته، أما في "فن الإرادة الشجاع" فتناقش الشجاعة من منظور الإرادة.

في "كوجيتو الشجاعة الذي لا يعوّض" تتمثّل الشجاعة بوصفها الوجه الآخر للحكمة، بينما ترصد في باب "من أجل نظرية جمعية للشجاعة" علاقة السياسة بالأخلاق، وتذهب في "إبيستمولوجيا الشجاعة والاعتراف" إلى اختلاف الشجاع ومقاومته الأخلاقية، لتنقل في البابين التاليين إلى إبيستمولوجيا الشجاعة.

يطرح القسم الثاني "سياسة الشجاعة" عناوين عدّة، هي: "هل هي نهاية الشجاعة السياسية؟" وفيه تسائل فلوري الأخلاق والشأن السياسي مع عهد الديمقراطية الأول، وتبحث في "هل يجب إعادة بناء نظرية الشجاعة السياسية؟" عن اختفاء الشجاعة السياسية الخلقي، لتنتقل في "تزوير الشجاعة: هل هي نهاية الشعب وخزي النخب؟" إلى تأثيرات الديمقراطية وتداعياتها في هذا السياق.

أما "ميثاق شجاعة ممارسة قول الحقيقة" فيعاين قبول الشعب والأمير والفرد بلعبة قول الحقيقة، ويبيّن "الخزي الممنهج وممارسة قول الحقيقة" كيف يتحوّل ممارس القول الشجاع إلى قناع السفسطائي، وفي "لغة الشجاعة" تبدو الكاتبة مقتنعة أنه يصعب تبرير الكذب على الشعب، لتؤكدّ في الباب التالي ما هو أبعد من ذلك حين يستحيل فصل الأخلاق عن السياسة في الديمقراطية.

تعود فلوري في الباب قبل الأخير إلى التذكير بأن من عادة صغار الزعماء السياسيين أن يكونوا متحايلين ماهرين على الخير العام، لتختتم الكتاب بالحديث عن سلسلة الشجاعة المتصلة؛ شجاعة العاهل والحكومة والشعب.

المساهمون