"البحث العلمي" في تونس.. كأداة لا كقضية

"البحث العلمي" في تونس.. كأداة لا كقضية

06 سبتمبر 2017
مقطع من عمل لـ بشيرة تريكي بوعزيزي/ تونس
+ الخط -

نهاية الشهر الماضي، أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تونس تقريراً في شكل كتيّب من 48 صفحة بعنوان "البحث العلمي: الأولويات، التوجيهات والبرامج 2017-2022″ باللّغات العربية والفرنسية والإنكليزية. تندرج هذه الخطوة ضمن مناهج الحوكمة الجديدة التي يجري إرساؤها في تونس بعد 2011، ولكن هل نجد تصوّرات جديدة للبحث العلمي؟

التقرير عبارة عن "دليل توجيهي ووثيقة مرجعية للباحثين ولمخابر البحث ومراكز البحث وعلى مستوى التعاون الدولي حتى تكون البحوث العلمية في تونس ذات جدوى للتنمية ويكون للبحث العلمي وقعٌ وإضافة للمحيط الاقتصادي والاجتماعي وله الموارد الكافية لتحقيق الأهداف المأمولة".

من هنا يشير التقرير الذي وضعه أكاديميون وإداريون إلى مواضيع بعينها يفضّل التركيز عليها أهمّها الأمن المائي والطاقوي والغذائي، والمشروع المجتمعي والتعليم والثقافة والشباب، وصحة المواطن، والانتقال الرقمي والصناعي، والحوكمة واللامركزية، والاقتصاد الدائري والتنمية المستدامة.

ثمة في الخطاب السياسي في تونس السنوات الأخيرة استعمال كثير لعبارة "منوال تنمية جديد"، ويبدو أن تقرير وزارة التعليم العالي محاولة للتعبير عن هذا المنوال. التوجيهات، من جهتها، تغطّي قطاعات متنوّعة وتظهر انتقالاً في الأولويات، ولكنها تظلّ في النهاية قريبة من الخطاب الرسمي، والذي يعلم الجميع المسافة الكبيرة التي تفصله عن الجانب التنفيذي، فهذه التوصيات حين تصل إلى الجامعات ومراكز البحوث ستجد في مواجهتها تعقيدات من قبيل توفير ميزانيات ومتخصّصين وغير ذلك.

وهذه الأمور تقودنا إلى إشكاليات أخرى للبحث العلمي الذي يظل في تونس قطاعاً مرتبطاً بالحياة الجامعية بشكل أساسي، ومفصول إلى حدّ كبير على المجتمع والاقتصاد.

التقرير في حدّ ذاته يظهر ميولات مركزية واقتراحاتها لحلول، فهو في الأخير تصريف لهذه الاقتراحات عبر قنوات البحث العلمي، وبالتالي ليس البحث العلمي في تونس سوى أداة تنفيذية، في حين أنه ينبغي النظر إليه اليوم كقضية أساسية في بلد يقول خطابه السياسي أن مواده الطبيعية لا تكفي حاجياته، وبالتالي ينبغي الاستثمار في موارده البشرية، ويمثل البحث العلمي شكلاً رئيسياً من أشكال هذا الاستثمار.

بالمناسبة يقدّم التقرير بعض الأرقام، من بينها أن التمويل المجمل للبحث العلمي في تونس في حدود 0.66 % من الناتج الداخلي الخام وهو معتمد بصفة شبه كلية على التمويل العمومي. حين تتغيّر هذه المعطيات يمكن وقتها فقط أن نأمل في تغيير أحوال البحث العلمي في تونس، وإلا ظل كما هو عليه اليوم مجرّد محرّك صغير في آلة ضخمة محركاتها الكبرى البيرقراطية وحسابات السياسيين والنقابيين وإملاءات السوق والضغوطات الدولية.

المساهمون