"سُمَيميع الندى": بيتنا لا يحتاج رقماً

"سُمَيميع الندى": بيتنا لا يحتاج رقماً

19 سبتمبر 2017
عمل للكندي بينجامين تشي تشي (1944-1977)
+ الخط -

محاولاً الإمساك بالهامشي في تفاصيل الحياة اليومية، ومستعيناً بمحمولات التراث الشعبي، اختار الكاتب المغربي رشيد قدوري أبو نزار (1973) المنحدر من مدينة وجدة (شرق المغرب)، عنوان ديوانه الأول "سُمَيميع الندى" الصادر مؤخراً في وجدة (طبعة شخصية)، ليشد الرحال نحو تجربة شعر الهايكو بمواضيع تسبر أغوار العمق المغربي والذاكرة الجماعية.

وسميميع الندى، بطل خرافي من حكايات الجدّات الشفهية، سخّر سمعه الخارق الذي كان يلتقط به أدق الأصوات، كصوت قطرات الندى وهي تسَّاقط ليلاً، وهو بذلك يشبه شاعر الهايكو الذي يرخي السمع لدقائق الأمور، والتفاصيل التي تتطلب رهافة الحس، وحدة البصر والبصيرة.
يضم الديوان مائة هايكو هي ثمرة السمع الخاص للشاعر أبو نزار، صاحَبَتْه ترجمة إلى اللغة الإنكليزية من إنجاز أسماء الشاهدي الوزاني، كما يحتوي على شهادات للشاعرين المغربيين سامح درويش وعبد القادر الجموسي، والشاعر العراقي عبد الكريم كاصد، والشاعر الأردني محمود الرجبي.

لا يسعى "سميمع الندى" إلى مجرد تكريس تقليد شعر الهايكو الياباني بخصائصه وشروطه وصفاته، بل هو تجربة بخصوصية مغربية، يسعى الشاعر عبرها إلى استكشاف الموجودات والوقائع والمشاهد اليومية التي قد تبدو عادية وغير ذات قيمة، لكن سرعان ما ينكشف سحرها، معيداً ترتيب العلاقة مع الفصول:

"فلي في كل فصل مشهد دامغ:
الربيع: ابنتي زهرةٌ وسطَ بِسَاطِهِ تخطف الأبصار.
الصيف: خفيفاً من ثيابي أعيد تمثيل صرختي الأولى من أعلى قمة بمسقط رأسي.
الشتاء: مدخنة البيت المعزول في أقاصي الجبال التي تعلن للمارين أن هناك أناسا بداخله متشبثين بالحياة ما استطاعوا إليها سبيلاً... الخريف: شجرة القيقب في قريتنا التي احتفظتْ ببعض وريقاتها وكانت بمثابة الذكريات التي لم تسقط بعد من ذاكرتي".

وفي استحضار لفرح الطفولة والقميص الأول يقول: "يَا لفَرْحَتِي! مِنْ رَحِمِ الوِسَادَةِ، يَخْرُجُ قَمِيصِي الطُّفُولِي". وتعود به ذاكرته إلى قريته، والمنزل الطيني -الذي يبدو شاهداً قوياً على محطات- معروف وطريقه واضحة: "بَيْنَ الفَدَادِين، بَيْتُنَا/ لا يَحْتاجُ رَقْماً".

وعلى النحو الذي ينزع نحو الغرائبية، يجعل أبو نزار الظلّ يغرق في الماء ليستحم: "عَلَى شَطّ البُحَيْرَةِ، القَافِلَةُ تَسِيرُ/ والظّلُّ يَسْتَحِم".

على امتداد 80 صفحة، ينتقل الشاعر بخفة لغوية إلى مشاهد تتراوح بين البادية والنوافذ الزجاجية وما تخفيه من أسرار، محتفياً بمحيطه تارة، ومستلّاً سلاح السخرية تارة أخرى.
ورشيد قدوري أبو نزار، شاعر وقاص، من مواليد مدينة وجدة، تخرج في جامعتها، وصدر له قبل "سميميع الندى"، الأضمومة القصصية الساخرة "هكذا جُنّ قلمي" (2015)، ومن الإصدارات الجماعية التي ساهم فيها: "سماء أخرى تظلنا" (2013)، و"موكب الهايكو" (2016).

دلالات

المساهمون