فلسفة العرب.. وُلدت مرّتين ثم تُركت للنسيان

فلسفة العرب.. وُلدت مرّتين ثم تُركت للنسيان

28 يوليو 2017
(مقطع من مخطوط عربي، القرن الثالث عشر ميلادي)
+ الخط -

كيف ولماذا نقرأ الفلاسفة العرب اليوم، وخصوصاً كيف يمكن ذلك من خلال مرجعيات تنتمي إلى زمننا، في خصوص حقوق الإنسان والقيم المشتركة؟

إن الفلسفة العربية، كما برزت بين القرنين الثامن والخامس عشر ميلادي، جزء لا يتجزأ من التاريخ الثقافي للبشرية. لكن نجاح نقل الفلسفة العربية إلى أوروبا كان مصحوباً بظاهرة: عدم ذكر الأسماء.. وهكذا بات الجميع يستعمل أدوات الفلسفة في القرون الوسطى - العربية بشكل خاص - من دون أن ينسب أحدٌ شيئاً إلى أصحابها وهم عشرات كانوا يعيشون في فضاء شاسع من قرطبة إلى بغداد.

لنضرب مثلاً على ذلك؛ التفرقة بين الماهية والوجود والتي عمّت الفلسفة في القرنين السابع عشر والثامن عشر كانت وليدة قراءة ابن سينا لكتاب "ما وراء الطبيعة" لأرسطو.

الفلسفة العربية - مثلها في ذلك مثل الفلسفة الصينية وفلسفات أخرى كثيرة - تمثّل معبراً للدخول إلى تاريخ الحقيقة الذي تقاسمته البشرية. فأن يوجد أكثر من مدخل إلى التاريخ نفسه لا يعني بالضرورة أن يكون ثمة ابتداءات مختلفة. إن مقارنة الثقافات "دون المطابقة بينها" - كما قال مونتاني (كاتب فرنسي من عصر النهضة) - لا يعني أن نختصر بعضها في الأخرى ولكننا نتواصل في ما بيننا ونعيش على الكلمة المشتركة تلك التي "نِصفُها عند من قالها ونصفها الثاني لدى من يتقبّلها"، كما يقول مونتاني مرة أخرى.

لقد عرفت الفلسفة باللغة العربية نماء غير معهود في القرون الوسطى. أقول "فلسفة باللغة العربية" عوض "فلسفة عربية" لأن عدداً من الفلاسفة كانوا من أصول فارسية مثل ابن سينا والرازي أو من مناطق أخرى في آسيا مثل الفارابي. ويمكننا القول مع المتخصص في العصر الوسيط جان جوليفيه إن "الفلسفة وُلدت مرتين في الإسلام: بداية من خلال ثيولوجيا خاصة بالإسلام (علم الكلام)، ثم من خلال تيار فلسفي ينهل في جزئه الأكبر من الأصول اليونانية".

هذا الجزء الثاني هو الذي يسمّى "فلسفة"، والمفردة اقتراض لغوي جاهز من اليونانية القديمة، وضمنها اشتغل عدد من الفلاسفة الذين سيعرفهم الغرب من خلال مترجمي التراث العربي في القرون الوسطى، وهؤلاء أخضعوا الأسماء العربية لمسحة من الليتنة (من اللاتينية)، فأصبح ابن سينا أفيسان Avicenne وابن رشد أفيرواس Averroes وابن باجة أفيمباسي Avempace.

* من مقدّمة كتاب "لماذا نقرأ الفلاسفة العرب.. التراث المنسي" (منشورات "ألبان ميشال"، 2015).

** ترجمة عن الفرنسية: شوقي بن حسن

المساهمون