"حكاية مغربية": في جعل الهامش مركزياً

"حكاية مغربية": في جعل الهامش مركزياً

28 يونيو 2017
من مراكش، تصوير: سيلو دي بروين
+ الخط -

يكاد القارئ المغربي يُجمِع على أنّ الهامش كان فضاءً أساسياً لأشهر الروايات والقصص المغربية؛ تؤكد ذلك نصوصٌ لأسماء معروفة مثل محمد زفزاف ومحمد شكري وإدريس الخوري وآخرين، حيث كانت الحانات والأحياء والمقاهي الشعبية والمواخير وغيرها من الفضاءات المهمشة المسرح الرئيسي لأحداثها.

لكنّ الاقتصار على تمثُّل الهامش في الكتابة بصِفتِه فضاءً فحسبُ؛ فَهْمٌ يُقصّر عن حقيقة خطاب الهامش وعمّا يرمي إليه كُتّابُه المعاصرون، ومن بينهم البشير الدّامون، الذي إذا استثنينا روايتَه التاريخية "هديل سيدة حُرّة"، فإن رواياته الأخرى "سرير الأسرار"، و"أرض المدامع"، ومؤخراً "حكاية مغربية"، تنخرط في مشروع ينطلق من الهامش ليبني تخييلاً مُقاوماً يرفض الإذعان للتسلُّط بشتى أشكاله، ويروِّج لخطاب يَدِين الغربة في الوطن.

ومع ذلك، فالأهمّ في استراتيجية الهامش عند الكاتب المغربي هو اتخاذه المرأة بطلةً في جميع رواياته، وكأنه يرمي إلى تعويضها عن إقصاءِ صوتِها من قِبَل كُتّاب كثيرين، وعن تعريضها للإقصاء الممنهج في الحياة اليومية، وبذلك يكشف عن وعي نسائي حادّ، يصطف إلى جوار المرأة منتقداً الإيديولوجية الذكورية، وهو خطاب نظيرُه قليل في السرد العربي المعاصر.

تنتمي بطلة رواية "حكاية مغربية"، الصادرة عن المركز الثقافي العربي" (2017) إلى حي شعبيّ يطبعُه الضنك والعنف والتفسّخ الخُلُقي. ومن أول صفحة، وبَعْدَ أن غادرتْ مشفى الأمراض العقلية في تطوان، تشرع في سرد معيشِها القاسي والمأساويّ بضمير المتكلّم، وفي وصف صراعها الشرس، في سبيل التخلص من الحاجة والوضع المهين، بطموح جارفٍ وحركيَّة فاعلة، لكنَّ هيمنة المجتمع الذكوري بوسائله القاهرة أحبتطها، واضطرّتها، بعد صيغٍ مختلفة من المقاومة، إلى الإقرار بالهزيمة في المعركة، وليس الاعتراف بالخسارة.

ليست "حكاية مغربية" حكاية البطلة وحدَها، بل هي حكايات هامشية أخرى تتوزَّعُها مسارات مختلفة، عالجَها النص حين تناول فساد القضاء وتورُّطَه في رشاوى تمس قضايا التهريب والمخدرات، وفي انتهاكاتٍ كثيرة منها ما تعرَّضت له البطلةُ، التي اغتصبَها قاضٍ، كانتْ تطمع في أنْ يُخفِّف عقوبة أخيها المُدان، بعد تورُّطه في قضية شغب واحتجاجات شعبية في تطوان سنة 1984. هكذا تُدين الروايةُ ضِمنيّاً الظُّلمَ، الذي كان كثير من الأبرياء ضحاياه، وكان القضاء شريكاً فيه.

يحتج العمل أيضاً على المسكوت عنه الذي ينتمي إلى المهمّش؛ وهو الحق في حفظ كرامة السجين، فأخو البطلة (حسن) الوسيم انقلبتْ حياتُه جرّاءَ إيداعه السجن ظُلماً، حيث لُقِّب "قمر" وصُيّر مثليّاً عنوة؛ كما تَفْضحُ الروايةُ تغلغلَ المخدرات وتجارتها في المجتمع، وتغوُّل أباطرتها.

هكذا يمنح الروائُّي الثِّقلَ للهامش، الذي يغدو فضاء مضاداً، يحظى فيه الحيّ الشعبي والسجن ومشفى المجانين وغيرها من الأمكنة الهامشية بالمركزية، ليتأكَّد الوعي بأهمية الهامش في نصوص الدامون بِصِفتِه فضاءً موازياً لا يقلُّ أهمية عن المركز، وعن التأثير في المعيش، وتُعبِّر الرواية تصويرياً عن ذلك، بعالمها الفنيّ الخالص، أي بِتَخييلِها الذي لا يكتفي بتقديم الحكاية، وإنما يبعثُ رسائلَ وثيقةَ الصِّلة بالواقع.

"حكاية مغربية" هي في النهاية سيرةُ امرأة متخرّجة من كلية الآداب، تكتب سيرتها بتحريض من الممرِّض سعيد؛ الذي يقول لها "احكي حكايتَكِ. إنها جديرةٌ بأنْ تُسمَع". حكاية جديرة بأن تسمع، لكن ليس بدافع المتعة، بل من أجل أن تعالج البطلة ذاتها، وعالَمَها، ولتحتج كتابةً على مجتمعها، وتمارس حرَّيتها.

دلالات

المساهمون