لماذا يكذب القادة؟: ما يسكت عنه علم السياسة

لماذا يكذب القادة؟: ما يسكت عنه علم السياسة

02 ابريل 2017
ناديا أدلوم/ أستراليا
+ الخط -

"الغاية تبرّر الوسيلة"؛ تبدو مقولة مكيافللي وقد اخترقت الممارسة السياسية بحيث أفرغتها من المحتوى الأخلاقي، لذا قد لا يختلف متابعو وقائع الحياة السياسية على أن ثمة تلازماً بين ممارسة السياسة والكذب. المفارقة أنهما يتحرّكان فوق خرائط فكرية مختلفة، ففي علم السياسة مثلاً لن نعثر على تعريف للكذب.

دراسة الكذب من زاوية العلوم السياسية هو ما أقدم عليه الباحث الأميركي جون ميرشيمر في كتابه "لماذا يكذب القادة؟" الذي صدرت ترجمته إلى العربية مؤخراً ضمن سلسلة "عالم المعرفة". عمل صدر في لغته الأصلية سنة 2013 واعتمد على نماذج أكاذيب اخترقت عوالم السياسة الدولية في السنوات الأخيرة.

ينطلق المؤلف من أشهر عمليات الكذب السياسي في العصر الحديث؛ أسلحة الدمار الشامل التي زعم أن نظام صدام حسين يمتلكها، والتي أدّت إلى احتلال العراق عام 2003، قبل أن يبدأ "المجتمع الدولي" في التفطّن إلى أن ذريعة الحرب واهية. يعتبر ميرشيمر أن ما حدث نموذج من "الكذب الاستراتيجي"، وقد جرى إطلاقه من أجل إظهار أن الحرب على العراق ضرورة وليست حرباً اختيارية، وفي النهاية "يغفر النجاح الكذب أو يجعله على الأقل متقبّلاً".

يشير المؤلف إلى أن جورج بوش الابن لم يكن في الحقيقة إلا تواصلاً لسياسة أميركية عامة، فدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية تضمّن مجموعة من الأكاذيب التي رعاها الرئيس روزفلت من أجل إقناع الكونغرس بتمويل الحرب، وكذلك حصل مع الرئيس جونسون في حرب فيتنام.

من موقع العلوم السياسية، فإن "أسباباً استراتيجية تحمل القادة على الكذب على شعوبهم، وعلى الدول الأخرى"، ويضيف ميرشيمر أن "القادة يعتقدون أن عليهم مسؤولية أخلاقية للكذب". لتوضيح ذلك، يفرّق المؤلف بين أنواع من الكذب، ويؤكّد أن معظم السياسيين يتحاشون الكذب بمعناه الدقيق، لذلك يلجؤون إلى ممارسات خِطابية متقاربة معه مثل الإخفاء والتلفيق مستشهداً بمقولة تايغر وودز "بإمكانك دوماً أن تقول الحقيقة، ولكنك لست ملزماً بقول الحقيقة كلها".

من بين الملاحظات الأساسية التي يسوقها ميرشيمر أن الكذب في السياسات العليا (قضايا الأمن القومي) أكثر منه في السياسات الدنيا (قضايا الاقتصاد والبيئة وغيرها)، حيث يعتبر أن "أحد أسباب قلة الكذب في السياسات الدنيا يرجع إلى أن الفائدة التي تجنى من الكذب ليست كبيرة"، كما يشير إلى أن الكذب إنما تجري ممارسته بالأساس حين يكون الرأي العام والشعوب طرفاً، أما القادة في ما بينهم فهم أقل كذباً.

هكذا، وانطلاقاً من برودة أعصاب عالم السياسة، يتحوّل الكذب بالنسبة إلى ميرشيمر إلى ممارسة شبه شرعية، غير أنه لا ينسى في الأخير أن يُنبّهنا إلى أنه "من الصعب تصوّر استمرارية الحكم الديمقراطي لزمن طويل إذا فقد الشعب احترامه لقادته، ورآهم مجرّد حفنة من الكذّابين" لكن الأخطر الذي لا يقوله الكتاب، ولا تحب أن تتناوله علوم السياسة، هو أن نتائجه كوارث بشرية كبرى يمكن أن نراها بالعين المجرّدة في أكثر من بلد وقع ضحية كذبة في كواليس كبار سياسيّي العالم.

المساهمون