خديجة صبّار قارئةً الحداثة عند العروي

خديجة صبّار قارئةً الحداثة عند العروي

16 ابريل 2017
+ الخط -

ترى الأكاديمية والكاتبة خديجة صبّار أن طرق تعريف المفكّر المغربي عبد الله العروي للحداثة، تستحقّ كتاباً وحدها؛ قالت ذلك وهي تحاضر قبل أشهر عن مشروعها في دراسة أعماله في الدار البيضاء، البحث المطوّل الذي صدر قبل أيام بعنوان "الحداثة في المشروع الفكري لعبد الله العروي" عن "المركز الثقافي للكتاب".

يُعتبر مشروع العروي مشروعاً إصلاحياً ذا مواقف نقدية حسمية الطابع ومن هنا تأتي حدّتها، حيث يُعدّ صاحب رأي نقدي لهيمنة الثقافة التقليدية والفكر الانتقائي مدافعاً عن العلمانية والليبرالية الفكرية، كطريق العبور إلى الحداثة العربية.

في كتابها، تعود الباحثة المغربية إلى إشكالية التراث وموقف العروي منه، إذ لا يمكن فهم الحداثه عنده إلا بعد فهم موقفه من التراث. وتفنّد سؤاله: هل يفيد إحياء التراث اليوم وكيف؟

وتتطرّق الباحثة أيضاً إلى منهجية العروي في الدراسة والبحث وهي مسألة أساسية لا يمكن فصلها عن فهم مشروع المفكّر المغربي.

بعد أن تستعرض الكاتبة التراث والمنهجية تبدأ في تفاصيل مفهوم الحداثة وتعريفها عند صاحب "الأيديولوجيا العربية المعاصرة"؛ كتاب العروي الذي وُصف بأنه نقل دفّة الفكر في الحداثة من المشرق الذي بدأ هذا المشروع إلى المغرب العربي.

يطرق الكتاب أيضاً مظاهر الحداثة بالنسبة إلى العروي وكذلك أساليب التحديث كقنطرة إلى الحداثة بتعبير الكاتبة، وهي الكلمة التي يفضّلها العروي لأن الحداثة شيء آخر.

في بداية الكتاب، تلتقط صبّار صورة لسيرة العروي، معتبرة أنه ابن الهامش الذي أعطى إضافات إلى الفكر، وتلفت إلى أن الهامش كان دائماً صاحب الفضل على الثقافة وليس المركز، مشيرة إلى أنه نشأ في وقت متأزم، فكان شاهداً على مأزق حركات التحرّر الوطنية والاشتراكية والقومية وما حملته من وعود الحرية والعقلانية والعلمانية وصولاً إلى الانكسارات والهزائم الكبرى، ثم المرور بالحلم العربي غير الواقعي، كما ترى الكاتبة، لينهمك العروي بدراسة هذا الواقع ومستوياته وتحليله تحليلاً علمياً للتخلّص من هاجس الأيديولوجي والعبور إلى النقدي.

في كتابه "الأيديولوجيا العربية المعاصرة"، يعّرف العروي الحداثة بأنها "صيرورة الواقع الاجتماعي، نسبية الحقيقة المجرّدة، إبداع التاريخ، جدلية السياسة، هذه هي معالم الفكر العصري"، معتبراً أن المجتمع العربي يتردّد في أن يتبنّى هذه الحاجات تبنياً كلياً، وهي منكَرة في الأسرة والمدرسة والبرلمان و... فالحداثة هي نقطة الارتكاز في فكر صاحب "مفهوم الحرية"، وفقاً لصبّار، إذ يرى أن الحداثة تضمر إشكالية الاستعمار، فهو يدرس كيف يأتي الاستعمار وليست نتائجه فقط، ويتساءل إن كان ينبغي علينا التعامل مع الاستعمار كحدث، لينتقل بعد ذلك إلى أسئلة حول الإخفاق الاجتماعي والسياسي العربي.

في سياق آخر، تناقش صبّار مسألة التعقيد في مشروع العروي، فترى أنها تعود إلى جانبين؛ الأول أنه يشتغل على المعرفة التاريخية، بمعنى التاريخانية، وفقاً لشهادة العروي نفسه، حين اعتبر أنه ينتمي إلى مدرسة لم يعد أحد يريد أن ينتمي إليها وهي التاريخانية لكثرة ما فُنّدت وسُفهت، وقد اعتبر أنه لجأ إلى هذا الجانب بدافع القناعة والكفاف وفق تعبيره، من هنا يتأتّى أسلوب المؤرخ الجامد أو "البارد" لأنه يتسم بشدة الموضوعية. والجانب الثاني هو أن مشروعه يضمّ مؤلّفات فكرية بنيت على أساس العقل والجدال والتحليل.

تعود الباحثة أيضاً إلى زوايا مختلفة من نقد العروي للمشاريع العربية التحرّرية التي أخفقت في النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين، وتوضّح أن المفكّر يؤمن بأن البذور العتيقة زرعت فينا بذور اليأس والميل إلى التخريب.

الكتاب ذو طابع أكاديمي فعلاً لكنه يمكّن من يريد التعرف إلى جانب أساسي في فكر العروي بالتفصيل وتحليله للمعرفة والواقع العربي وعلاقته بالحداثة، التي اعتبر أن بلوغنا لها مرتبط بأن "نودّع نهائياً المطلقات جميعاً، نكفّ عن الاعتقاد بأن النموذج الإنساني وراءنا لا أمامنا، وأن كل تقدّم إنما هو في جوهره تجسيد لأشباح الماضي، وأن العلم تأويل أقوال العارفين، وأن العمل الإنساني يعيد ما كان، ولا يبدع ما لم يكن".

دلالات

المساهمون