صدر قديماً: "الوافي بالأدب العربي" لـ محمد بن تَاوَيْت

صدر قديماً: "الوافي بالأدب العربي" لـ محمد بن تَاوَيْت

02 ديسمبر 2017
(قصر السلطان، وسوق تطوان، حوالي 1885، مجموعة روجيه فيوليت)
+ الخط -

تفطّن الرّعيل الأول من مثقفي المغرب، في عهد "الحماية" (1912-1956)، إلى المشروع التحديثي المهم الذي اقترحه "عميد الأدب العربي"، طه حسين، لتحقيق النهضة العربية، التي لخَّص مداخلها الكاتب المغربي عبد اللطيف الخطيب في ثلاثة، هي: إحياء التراث العربي القديم، والتأليف الجديد، والترجمة، وهي المهمة التي تكفَّلت بها "لجنة التأليف والترجمة" التي يوجهها [طه حسين] بعزم غير فاتر [...] وسيكون اقتفاء ذلك التوازن في الإنتاج الفكري المختلف غاية محمودة".

يبدو أن الكاتب المغربي محمد بن تَاوَيْت (تطوان، 1917-1993) التقط تلك الإشارة عبر اشتغاله بالتراث والتعريف به، وسار في النهج ذاته الذي كان محمد القبّاج وعبد الله كنّون قد اجترحاه من قَبل، بكتابيهما "الأدب العربي في المغرب الأقصى" و"النبوغ المغربي في الأدب العربي"، فصدر عن الوعي ذاته في كتابه "الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصى" الصادرِ جزؤُه الأوّل عن "دار الثقافة" بالدار البيضاء، سنة 1982، فالثاني في 1983، ثم الثالث في 1984.

يقول مؤلّفه: "كانت نواتُه الأولى قد ألقيتْ في الأحاديث الإذاعية التي عُهِدت إليَّ منذ فجر الاستقلال، فكانت الإذاعة الوطنية توجهها إلى المستمعين بالداخل، طيلةَ خمس سنوات، كما كانت توجّه أخرى نحو الشرق الأدنى في نفس المدة، وباختلاف بسيط عن الأولى"، ثمّ أُضيفَتْ إلى تلك الأحاديث مُحاضراتٌ ألقاها المؤلِّف "في كلية الآداب، في الرباط وفاس، منذ بداية سنة 1960، مما استغرق أكثر من عشرين سنة".

لقد عرَف العنوانُ تعديلات عديدة، قَبْل أن يستقرَّ على الصورة الأخيرة، التي تُفصح عن وعي عربي خالص، لا يتردّد في التنديد بالنزوع القومي-الإقليمي وتفنيد ادعاءاته. يقول "فالقومية التي دعا إليها الداعون في الشرق، وكنا من تلاميذهم نتحمَّس لها مبدئياً، لم نجد لها مرآة صافية صادقة في أدبنا، ولا في أي أدب كان وما زال في باقي البلاد العربية، وهو أدبُ الفصحى، التي تهيمن -بحمد الله- علينا جميعاً"، أي أن الإقرار بانتماء المغرب إلى العالم العربي وثقافته صريحٌ.

يضيف: "نحن نقول: إننا نتكلم العربية، نقول ذلك في المغرب والمشرق، ولا نقول، نتكلّم المغربية أو المصرية مثلاً، فما دام ذلك كذلك، فلا يكون من الواضح أن نقول "الأدب المصري" – كما قال بذلك أستاذنا الخولي يرحمه الله - وألَّف كتاباً بهذا العنوان".

بدأت مادة الكِتاب تَنْتَشر بُعيْد الاستقلال مُباشرةً، لكن صدورها بين دفتي كتاب تأخَّر إلى عقد الثمانينيات. وقد جاء الكتابُ شاملاً، يُغطّي تاريخ الأدب العربي بالمغرب منذ ما قبل ظهور الدولة المرابطية، مروراً بالدُّول الأخرى التي حكمته، وهي المُوحِّدية، والمرينية، والوَطَّاسية، والسَّعدية، ثم العلوية الحالية، وهو تقسيم يُعْرَف بالتأريخ السياسي للأدب، وقد انتهجه غير قليل من مؤرِّخي الأدب، منهم شوقي ضيف، مثلاً.

وجليّ أن ابن تاويت كان على دراية بالمؤاخذات التي كانت على المنهج التاريخي الذي ارتضاه لكتابه، لذلك ارتأى الدفاع عن اختياره، فاعتمد في التقسيم "مراحل تاريخية، مرتبطة بالإمارات والدول، على سبيل التقريب، لا على سبيل التحديد، [...] بالإضافة إلى كون أغلب الآثار الأدبية صادرة عن رجال كانوا من رجال الدولة، أو على اتصال بها وبرجالها"، ثم "إن المنهج التاريخي، في جلّ الدراسات، خصوصاً النظرية منها، سليم قويم، دعا إليه جمهرة من الفلاسفة في الحديث والقديم، واستعملوه في دراساتهم الفلسفية، فأتى بالنتيجة المطلوبة الصحيحة، التي لا تحتمل الجدال والتشكك فيها، لأنها مبنية على مقدِّمات".

قدّم "الوافي بالأدب العربي" مادّة أدبية دسمة تعمّد ابن تاويت الإكثار منها، في أفق ينتظر "من أدبنا الخطوات الصاعدة، وإنْ تخلَّلتها عثرات، كما سنرى، والحلقات المتداخلة، وإنْ ضاق بعضُها بعد الاتساع، فذاك كله من قبيل الاسترواح، ليس غير".

ينتسب ابن تاويت إلى جيل عبد الله كنّون من الأدباء، الذين عَنُوا بإبراز إسهام المغاربة في إثراء المكتبة العربية، وتأكيدِ مكانة الأدب المغربي ضمن الأدب العربي، والذين ألحوا على عدم الفصل بين مشرق العالم العربي ومغربه، بالتنصيص على أن الاثنين شيءٌ واحد؛ وهو الوعي الذي ساد في مجال السياسة وغيرها إبّان الاستعمار الأوروبي للعالم العربي.

لكنّ الأهم بصدد الكتاب، أيضاً، هو إمكانُ اعتباره كتابةَ "تابع" سابق، لشُروعِه في الصدور مُباشرةً بعد الاستقلال، وفي فورة التغني بالعروبة وأمجادها وحلمها بالوحدة العربية، بعد عقود من العيش تحت الهيمنة الأجنبية، مما يشي بإضماره وعْياً ما بعد كولونيالي؛ نظراً لتصريفه خِطاباً يُبرز التراث الأدبي العربي في المغرب وتجذُّرَه التاريخيّ وتنوُّعَه، في سعي حثيث إلى إثبات الذات وبنائها، ومقاومةِ السلطة الاستعمارية المندحرة، لكنِ المتستِّرة في أشكال متنوِّعة.

---------------------------------

مئويات منسية

تاريخ ثقافي كامل برسم النسيان، يجتمع عليه مشرق ومغرب الوطن العربي. من يذكر اليوم محمد بن تاوَيْت التطواني بعد مئة سنة على مولده وقرابة ربع قرن على رحيله؟ والأخطر أين هي مؤلفاته. الأمر كما يقول الباحث عبد الواحد المرابط: "يتعلق بعلاَّمة كبير وباحث موسوعي متعدد اللغات ومتنوع المعارف والمدارك، زاوَج بين التعليم التقليدي الأصيل والمعارف الحديثة، مما أهله لأن يكون رائداً مؤسساً في مجالات متعددة".

بين الولادة في تطوان بشمال المغرب عام 1917. والتعليم التقليدي في مسقط رأسه، ثم دخول المدارس الإسبانية، قبل أن يلتحق سنة 1933 بجامعة القرويين بفاس ويدرس على يد شيوخها. في سنة 1938 التحق بن تاويت بقسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة لاحقاً)، وحصل منها على الإجازة في الأدب العربي، ثم على الماجستير في الأدب الفارسي حول جلال الدين الرومي (قبل أن يصبح "مولانا" موضةً). وفي سنة 1949 عاد إلى المغرب.

ترجم بن تاوَيْت كتباً عن الفارسية (من بينها "رباعيات الخيّام") والتركية والإنكليزية والإسبانية. وحقق كتباً من بينها "دلائل الإعجاز" للجرجاني. أما مؤلفاته التي واصل تقديمها حتى رحيله عام 1993، فتضم - إلى جانب عمله الموسوعي "الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصى" - مجموعة من الأعمال الأدبية والشعرية والبحثية، من بينها: "تاريخ سبتة" و"الاستشراق والإسلام" و"النحو الأندلسي وابن هشام المصري".

دلالات

المساهمون