صدّوق نور الدين: "الذات والعالم" في أربع سِيَر مغربية

صدّوق نور الدين: "الذات والعالم" في أربع سِيَر مغربية

04 أكتوبر 2017
(محمد شكري وعبد اللطيف اللعبي في الرباط عام 1984)
+ الخط -

لم تحظ المكتبة العربية بدراسات كثيرة ومعمّقة حول ما يسمّى أدب الاعتراف الذي يتضمّن كتابة السيرة الذاتية واليوميات والمذكّرات، وكان مردّ ذلك قلّة ما يُنتج من مؤلّفات في هذا السياق حتى وقت قريب، إضافة إلى أن هذه الكتابات لا يعتبر معظمها ضمن الأجناس السردية المتداولة من قصة ورواية ومسرح.

في كتابه "الذات والعالم" الصادر مؤخّراً عن "دار أزمنة" في عمّان، يقدّم الناقد والروائي المغربي صدوق نور الدين دراسة في يوميات لعدد من الكتّاب المغاربة؛ "خواطر الصباح" لـ عبد الله العروي، و"جان جينيه في طنجة" لـ محمد شكري، و"يوميات سرير الموت" لـ محمد خير الدين، و"شاعر يمر" لـ عبد اللطيف اللعبي.

ليست المرّة الأولى التي يذهب فيها صاحب "مريض الرواية" (2012)، إلى هذه المساحات في بحثه حيث اشتغل عليها في مؤلفات سابقة مثل "سير المفكرين الذاتية" (2000)، الذي يتناول فيه سيرة كلّ من زكي نجيب محمود ولويس عوض وإحسان عبّاس ومحمد عابد الجابري، وما يمثّلونه من حالات تفكير خاصة واهتمامهم بالقضايا الكبرى المتعلّقة بالأدب وتقاطعاتها مع البيئة الاجتماعية والاقتصادية.

في تناوله لليوميات، يقسّم نور الدين دراسته إلى قسمين؛ نظري يسعى إلى تشكيل شبه تصوّر يومي تقريبي عن هذا الجنس الأدبي كما احتفي به في الأدب الغربي، وتطبيقي عبر اختياره نماذج أربعة من الأدب المغربي تمثّل هذه الكتابة وحظيت بتداول عربي وغربي أيضاً.

يشير صاحب "السرد والحرية" (2007) في مقدّمته إلى "تصوّر المبدع العربي للتأليف الإبداعي. وهو التصوّر الذي يجعله يحتكم لقاعدة المفاضلة بين الأجناس. فمفهوم اليوميات بالنسبة إليه، يدفعه تصوّرها المعادل الإبداعي للسيرة الذاتية. ومن ثم، يؤثر الكتابة في جنس السيرة الذاتية عوض الممارسة في جنس اليوميات، ما دام المعنى يتقارب إن لم نقل يتشابه.

يعاين الكاتب في القسم الأول جهود النقّاد الفرنسيين مثل بياتريس ديديه وفيليب لوجون وجورج ماي وبيار باشي في تنظيراتهم حول أدب اليوميات، وينتقل بعدها إلى أبرز مقاربات الفيلسوفة البريطانية ميري ورنوك في كتابها "الذاكرة"، ثم يعاين السمات الرئيسية لكتابة اليوميات لدى سلفادور دالي وأناييس نن وسوزان سونتاغ وكافكا، ويقابلها بما يحمله التصوّر العربي لها.

يرى نور الدين أن "خواطر الصباح" (1967) تمثّل نمذجة فعلية بما يجدر أن تكون عليه كتابة "اليوميات" سواء من حيث التحديد الزمني الذي يمتدّ على نحو أربعين عاماً، أو الصياغة التي اعتمدت الاقتصاد اللغوي، كما أنها تعكس حضور ثنائية المثقف/ السياسي.

أما عن "جان جينيه في طنجة" (1972)، فيشير المؤلّف إلى أن محمد شكري يرسم في كتابه صورة عن حياة الكاتب الفرنسي في نوع من التمرئي الذاتي الذي بقدر ما يجسّد الآخر يستجلي الذات، وكأن الأمر يتعلّق بتماهٍ خفي بينهما، أو بحياتين قد يربط بينهما أكثر من قاسم مشترك.

حول "يوميات سرير الموت" (1995)، التي حكَم إنتاجها عامل أساس تمثّل في حدة الألم حيث كتبها الروائي والشاعر محمد خير الدين خلال السنة التي رحل فيها، لتعكس صورة عن حياته وتجربته الأدبية في/ وعلى الكتابة والتأليف، إلى الواقع الذي عاشه في فرنسا، حيث تجمع بين لحظة الحاضر العنيفة والماضي كحنين مستعاد، بحسب نور الدين.

ويلفت الكاتب إلى أن "شاعر يمر" (2007) تقف في تلقّيها عند مستويين من الكتابة أو جنسين أدبيين/ هما اليوميات وأدب الرحلة، وأن هذه المسافة المابينية قد تنفتح على احتواء أكثر من جنس أدبي، وأن عبد اللطيف اللعبي بوصفه "الشاعر يمر" يعي المسافة، وبالتالي الإنجاز الذي يقدم عليه إلى الانحراف من اليوميات إلى الرحلة، وأحياناً الكتابة الرسائلية، والنص هنا صورة عن المثقف الملتزم بقضايا وهموم مجتمعه ووطنه، إلى إشكاليات الكتابة والتأليف.

المساهمون