"هابرماس واللاهوت": حيث أخفقت النظرية

"هابرماس واللاهوت": حيث أخفقت النظرية

17 سبتمبر 2016
(يورغين هابرماس، تصوير: أولشتاين بيلد)
+ الخط -

يعتقد أستاذ الفلسفة في جامعة برمنغهام، نيكولاس آدامز، أنَّ السؤال الأكثر أهمية في فلسفة الأخلاق المعاصرة واللّاهوت، هو سؤال "كيف يُمكن أن يوجد نقاش بين أفراد ينتمون إلى تراث وتقاليد مختلفة؟" وهو بمعنى آخر "أن يكون المرء شخصاً حديثاً مُنخرطاً في عصره، وأن يشارك في المجال العام"؛ الذي يعرّفه آدامز بأنه "المجال الذي يتميّز بأصوات متنافسة، ورؤى كونيّة متضاربة، وأشكال من الحياة تشكّل إرباكاً لبعضهم البعض. وكيف يُمكن أن يوجد التناسق فيما بين هذه الأصوات".

من هنا، يختار الأكاديمي الإنكليزي، آدامز، آراء الفيلسوف الألمانيّ، يورغن هابرماس، (1929)، عن الدين واللاهوت ليدرسها في كتاب نقله إلى العربية، مؤخراً، كل من المترجمين حمود حمود وشهيرة شرف، وصدر بعنوان "هابرماس واللاهوت" ("مؤمنون بلا حدود" و "جداول").

ينطلق آدامز من أن هابرماس "فيلسوف إلحاديّ وعلماني استثنائيّ، قدّم آراء إيجابيّة حول الدين في المجتمع الحديث، لكن وفي نفس الوقت ظلّ يصرّ على أنّ النظرية الأخلاقيّة يجب أن تكون ما بعد دينية أو ما بعد تراثيّة".

يُقدّم الكاتب عمله باعتباره "محاولة لتوضيح الوحدة التي تجعل من الممكن سماع الاختلافات الثقافية على أنّها تنوّع في الأصوات، لا كونها مجرد مجموعة من التعبيرات المفكّكة ومستحيلة الفهم بالنسبة لبعضها البعض".

رغم اعتقاد هابرماس أن الفكر الديني أسطوريّ وميتافيزيقيّ، وأن الفكر الحديث عقلانيّ، وأن العلمانيّة الوحيدة القادرة على تنظيم الفضاءات المقدّسة، إلّا أنّه يقدّر الدين، بمقدار ما كان ينأى بنفسه عنه. ويرى آدامز أن مرد ذلك تقديره للدين "باعتباره حاملاً للحياة الثقافية"، وأنّه يُعطي المجتمعات الحديثة المضمون الحيوي الذي يتجادلون حوله؛ حيث من دون الدين ليس هناك نماذج للحياة يُختلف حولها.

يؤكد المؤلّف أن هذه الدراسة "ليست دفاعاً عن هابرماس، ولا حتّى نقداً آخر له"، إذ إنَّ هناك من دافع عن أخلاقيات الخطاب عند هابرماس، وهناك من حاول وضع "نظرية الفعل التواصلي" للعمل بوصفها أساساً للّاهوت. على الجانب الآخر، كان هناك على الدوام وجهات نظر مختلفة عن الأولى، وتبعاً لذلك يختار "آدامز" لهذه الدراسة "بجديّة" آراء هابرماس بشأن "الفضاء العام"، والحاجة إلى النقاش الحقيقيّ، في محاولة لـ "تقويم نظريته في المكان الذي فشلت فيه".

يعود المؤلّف إلى مقالات هابرماس التي تناولت اللاهوت، حيث تناول مقالاته المبكّرة مثل "النظرية والممارسة" و"مستقبل الطبيعة البشرية" و"الحقيقة والتبرير"، في حين تناولت بعض المقالات محدودة الانتشار؛ بهدف بيان "أين بقي هابرماس ثابتاً وأين غيّر رأيه؟".

يقول آدامز "إن المشكلة الكبرى بالنسبة إلى الفلاسفة واللاهوتيين، الذين يرغبون في الانخراط بآراء هابرماس حول الدين، هي أنهم منغمسون في جدالات معقّدة، والتي غالباً ما يكون تركيزها الأساسيّ على قضايا آخرى غير الحياة الدينيّة والفكر الدينيّ"، لذا اشتغل هو في هذه الدراسة على إعادة بناء ما يقوله هابرماس حول الدين واللّاهوت.

هل كان هابرماس عارفاً باللاهوت ما بعد الليبرالي؟ ذاك كان أوّل تناول لآدامز لآراء هابرماس في اللّاهوت، حيث يكشف عن أن المفكر كان جاهلاً باللّاهوت ما بعد الليبراليّ، إضافة إلى فشل منهجه في إنصاف اللّاهوت المعاصر، حيث كان من الممكن دراسته "بشكل مثمر".

في حين يواصل "آدامز" هنا دراسة هابرماس على أنّه مفكر ألمانيّ، ساهم في التراث الألمانيّ، وفكّر ودرس من خلاله، على نحو تقويمي وتصحيحيّ من كانط إلى أدورنو؛ محاولاً أن يُجري ارتباطاً بين التراث الألمانيّ، والفلسفة الإنغلو – أميركيّة، رغم أنَّ التراث الألماني لم يكن معروفاً على نطاق واسع في اللّاهوت.

يعيد آدامز بناء مفهوم "المجال العام" عند هابرماس، ليخلُص من خلال تحليله إلى أن ما كان يطرحه الأخير في المجال العام كان ينطبق على "المجال العام" الأوروبيّ، وبالتالي – والاستنتاج هنا لآدامز- فإنَّ القسم الأعظم منه مسيحيّ، وتبعاً لذلك يطرح سؤاله: هل يوجد فضاء عام شرق أوسطي، أو شرق آسيوي، أو مسلم، أو بوذي؟

يسعى آدامز إلى بيان كيف واجهت هابرماس "صعوبات" في وضع تحديد قواعد للنقاش في المجال الحيوي، الذي يتجاوز التراث، والتي من دونها - القواعد - ستوجد صدامات في الآراء المتنافسة، إلّا أن المفكر أغفل أنه يمكن لأي شخص أن ينطلق من خارج أي تراث، مستنداً إلى وجود "عقل كلي"، يجعل التنوع في التراثات وأشكال الحياة ممكناً.

يعتقد آدامز أنه يُقدم بديلاً عن نظرية هابرماس في الفعل التواصلي، من دون أن يمثّل هذا البديل نظرية أخرى، إنما الانتباه إلى الممارسات الفعلية كون المحاججة الحقيقية في "المجال العام" لا تستدعي نظرية. هنا يدعو الكاتب إلى ما يسميه "التدبّر الكتابي" أي ممارسة في قراءة الكتاب المقدّس بين أفراد من تراثات مختلفة؛ اليهودية والمسيحية والإسلام، بحيث يقرؤون نصوص بعضهم البعض، بوصفها نصوصاً مقدسة، بهدف العمل على إيجاد سبل حقيقية للمحاججة بدلاً من وضع سرديات متنافسة، حيث أن ممارسة التدبّر الكتابي تضع التسامح فوق التنافس، ليختم بأن ثمة حاجة للممارسات مثل المنطق الكتابي لعلاج الانقسامات في الفضاء العام.

المساهمون