"أمشي وأضحك كأني شجرة": تحوّلات صغيرة

"أمشي وأضحك كأني شجرة": تحوّلات صغيرة

29 يوليو 2016
فردوس البرينصي/ تونس
+ الخط -

"- متى تأتي صنّارتنا يا جدّي؟

كان يحدّثنا باستمرار أن الصنّارة قدر محتوم وأن المخلوقات جميعها تعيش في انتظارها، من بينها الإنسان. كان يؤكد لنا أن هذا الكائن القوي الذي يمتلك صنارة يصيدنا بها هو أيضاً تتهدّده صنارة سيعلق بها ذات يوم".

هكذا تبدأ قصة "سمكة فراشة مكتئبة" للكاتبة التونسية وئام غداس (1980)، لعلها تشي بالنبرة التي تلّف كامل مجموعتها "أمشي وأضحك كأني شجرة"، التي صدرت مؤخّراً بعد فوزها بـ "جائزة الشارقة للإبداع العربي" هذا العام. نبرة تجمع بين بساطة العيش بين الموجودات في العالم والنفس التأمّلي الخفيف.

من أجل التسرّب في هذه المساحة، سيصلنا صوت الرواي/ الراوية على مدى قصص المجموعة الأربع عشرة عبر شخصيات من الصعب أن نجد خيطاً يجمعها (كاتبة مشهورة، مريضة في المستشفى، سمكة، ظل شخص، عاملة في غاليري فن تشكيلي، ساعي بريد ...)، وهي مواقع اختارتها الكاتبة لنراقب تحوّلات مشاهد بسيطة من الحياة تتعدّد أمكنتها، بين تلك التي تحمل أسماء مدن نعرفها مثل تونس وسوسة واسطنبول وجدّة أو أماكن متخيّلة كاللوحات الفنية أو تحت الماء.

تعدّد الأمكنة يوازيه في العمل انتقالات موسّعة في الزمن داخل القصص، فالشخصيات غالباً تعيش أحداثاً راهنة ولكنها تنغرس في ماضيها وهواجسه، فاتحة للقارئ زوايا لإطلالات في نفوسها كما في قصة "الحياة داخل لوحة" أو "فاصل بين حياتين".

أسلوبياً، تنأى غداس بنصّها عن التوغّل في الشعرية والتكثيف، ذلك أن المضمون السردي يظل يتطوّر على طول القصة بانتظام وتدفّق. يبدو هذا النأي مدروساً، خصوصاً حين نعرف أن غداس تكتب الشعر أيضاً، وقد صدرت مؤخّراً أولى مجموعاتها الشعرية "حديقة مصابة بالألزهايمر" (دار العين للنشر، القاهرة).

التقاطع الأساسي بين العالمين، القصصي والشعري، ينحصر على ما يبدو في معجمها المؤثّث بأشياء الحياة اليومية والذي تعتمده الكاتبة التونسية هنا وهناك. لعله معجم ضروري لكتابة تريد أن تكون قريبة جداً من النفس، هي كتابة تشبه إلى حد كبير حبكة قصة "عشر رسائل لم تصل" حين يكتشف ساعي البريد أن السيد رضوان الذي يوصل رسالة إليه كل يوم "كان يكتب تلك الرسائل بنفسه ويرسلها لنفسه".

ثمة دعوة للسير في طرق من المجانية في قصص مجموعة "أمشي وأضحك كأني شجرة"، لكن للمجانية جمالياتها اليوم، خصوصاً مع شكل القصة القصيرة، وربما يسري ذلك على القصيدة. دعوة تفضي إلى اكتشاف كتابة شديدة القرب من الذات، بإيجابيات ذلك وسلبياته.

دلالات

المساهمون