يورج آكلين: خوف الأب والابن

يورج آكلين: خوف الأب والابن

16 يونيو 2015
(تصوير: كارين هوفر)
+ الخط -

رغم أن اثنين من بين أدباء سويسرا نالا نوبل؛ هيرمان هيسه وكارل شبيتلر، إضافة إلى آخرين أخذوا مكانة في المكتبة العالمية، إلّا أن معظم الأدب السويسري ظلَّ يُحسب على الألماني، فـ 72% من سكانه يتكلّمون ويكتبون بالألمانية كلغة أولى وبشكل أقل انتشاراً الفرنسية والإيطالية ومن ثم الروتورمانية.

أحد هؤلاء الأدباء الذين يكتبون بالألمانية - وساهم لاحقاً إلى جوار العديد من المؤلفين في بلورة مفهوم الأدب السويسري - يورج آكلين (1945) الذي يُترجم لأوّل مرة إلى العربية، إذ صدرت روايته "الأب" مؤخراً عن السلسلة الكويتية "إبداعات عالمية" على يد المترجم المصري عبد الحميد حسين.

دون أن يسمح لأي من أبطاله بالتدخل في الحوارات، يدوّر آكلين شخصيات روايته في حيز زمني يمتد لليلةٍ واحدة؛ تبدأ الأحداث فيها بوصول رسالة من دار لرعاية المسنّين تطلب حضور الابن فالتر بسبب حادثة حصلت لأبيه.

وبشكل سريّ، يقوم الابن بتهريب والده بعدما عرف أنه أحرق الغرفة التي يتقاسمها مع مسنّين آخرين، يحمله على ظهره ويقطع به الحقول باتجاه تل بعيد، وخلال هذه الرحلة تدور أحداث العمل، التي وقع معظمها في الماضي ويستحضرها الابن متذكراً في حوارات منطقيّة لا يقاطع أحدهما فيها الآخر، إذ إن الابن هو المتكلم المتفرد، والأب المستمع الوحيد.

يصوّر الكاتب في روايته نوعين من العجز، الأول من خلال مآل الأب بعد الشيخوخة التي وصل إليها بعد زمن طويل من القدرة والاستطاعة والتسلّط، إذ انتهت سنوات السطوة تلك بالعجز. أما العجز الثاني في الرواية، فهو عجز الأخ الأصغر الذي وُلد وهو يعاني من إعاقة جسدية. هنا يلعب آكلين على مفارقات العجز، ويميل إلى القول إن الشيخوخة أثقل على صاحبها من الإعاقة الجسدية الملازمة منذ الولادة.

ومن زاوية أخرى يذهب آكلين - الذي يعمل محللاً نفسيّاً - إلى التركيز على أن ثمة مجاورة بين التسلط والأبوةّ، ويلمح إلى أن التسلط بحكم ملازمة الابن لأبيه قد يورّث، إذ يظل فالتر -الرواي- متخوفاً من تقليد الأب والوصول إلى مصيره، حتى وهو يفكر في ما آل إليه ويستعيد ماضيه معه مقيّماً ومنتقداً.

يقول الابن لأبيه: "ربما أكون تطوراً طبيعياً لك، أو شكلاً متقدماً". ويردف وهو يحاول ويرغب في إيجاد اختلافات عن الأب: "كان الأصدقاء يقولون دائماً إنك تشبه أباك؛ نفس الخطوة ونفس ملامح الوجه، مع هذا كنت أود لو أصير مختلفاً".

لا يقف آكلين خلال هذا العمل على تشريح مفهوم الأب والتسلّط بين الآباء وأبنائهم، إنما يذهب إلى أبعد من ذلك، كأن يعرض امتداد خصال التسلّط حتى في العجز، كرد فعل على ابتعاد الأبناء عنه، وبحثه عن أيّ شيء يمارس قدرته عليه، أو حتى على الأشياء من حوله مثلما حدث في دار المسنين التي أحرق الأب غرفة فيها من دون أي مبرر.

المساهمون