صناعة الوعي لا اختزاله

صناعة الوعي لا اختزاله

02 يونيو 2020
+ الخط -
تتفشى هذه اللفظة اليوم في الخطاب الرسمي العربي، تفشيا يوازي التفشي المريع لجائحة كورونا العابرة للقارات والعرقيات، وإذ تشكل هذه اللفظة رفقة ألفاظ أخرى صحية واجتماعية، عماد المقاومة المجتمعية للفيروس الخبيث، إلا أن هناك إشكالية تقع في محاولة صناعة الوعي وتعميمه، قد لا تنتبه الحكومات لها وهي تسعى جاهدة لتحقيق قيمة الوعي في سلوك الشعوب.

يقول كارل ماركس إن الفقر لا يصنع الثورات، ولكن وعي الفقر هو الذي يصنعها، بذلك ينظر ماركس للثورة على أنها حركة واعية، ترتبط بمدى ثقافة الجمهور ووعيه، وبذلك تتشكل الأسئلة الكبيرة حول أسباب الاستلاب السياسي والاجتماعي والاقتصادي، من ثم يتحرك الوعي للبحث عن الإجابات وإيجادها، وصولا للقدرة على الرهان على هذه الإجابات أمام خطاب السلطة وسرديتها، إذا فالوعي عملية شاملة، تكرس الثقافات الجمعية، وتقيم الجدل حول الأحداث، وتبني الحوارات والنقاشات، لتحقيق السلوكيات التي من شأنها أن تمثل حالة واعية.


والوعي ليس اختزالا مؤقتا مرحليا، فهو سمة عامة، تتعاظم يوميا لتحيط بكل مجالات الحياة لتحاكم الواقع بمعايير جديدة، وتحاول إعادة إنتاجه في مجالات شتى، دون أن يكون مصدر المعرفة جهة واحدة تحتكرها وتمنعها حينا، وتنشرها أحيانا أخرى، بما يتواءم مع أهواء الحكومات ومزاجها.

يبدو الخطاب الرسمي العربي في هذا الراهن، أحوج ما يكون إلى تعظيم قيمة الوعي، من دون أن يفسر حقيقة هذه اللفظة وأهميتها المحتمة التي أنكرتها آلته الإعلامية طوال عقود من خطابه الدعائي في محاولة لتضليل العوام ومسخ وعيهم باتجاه ما تريد السلطة.

تجاهلت السلطات العربية عن قصد وغير قصد، مفهوم الوعي، وراهنت دوما على النقيض، لتستمر قوة سرديتها دون أن تجابهها سردية أخرى أكثر وعيا، وأكثر التصاقا بوعي الشعب.

تأتي اليوم هذه الجائحة ويأتي معها الوعي كسلاح تشهره الحكومات وتسعى لتعميمه، إلا أن هذا السلاح المهم هو سلاح مركب ومعقد بقدر ما هو ملح وفطري. إن الشعوب تصنع وعيها، ولكن وعيها الحقيقي الذي لم تدنسه ثقافة دخيلة ومشوهة، وهو ليس مختزلا بمفاهيم محددة، أو فترات مؤقتة، فالوعي الشامل العام لا تقيده حدود وقتية وموضوعية، مثلما أنه ليس هبة من الحكومات والأنظمة.

وإذا تنبه العقل الرسمي لأهميته اليوم، فعليه أن يدرك أن تحقيق الوعي مهمة شاقة، وقد تكرس حتمية التغيير في واقع الشعوب، وعليه فإن أنظمة الحكم قد تكون مجبرة اليوم على الاستعداد للأسئلة الحرجة إذا ما صاغت الشعوب وعيها وحققته.
C0BA4932-E7DF-48F8-A499-8FAA0D6C1F19
عدي راغب صدقة

أدرس تخصص الصحافة والإعلام في جامعة البترا... أهتم بعديد الشؤون العربية، ولكن أولي اهتماما خاصا بالشأن الفلسطيني.