أطلقوا سراح المهندس أيمن عبد الرحيم

أطلقوا سراح المهندس أيمن عبد الرحيم

05 مايو 2020
+ الخط -
تعرض العلماء والمفكرون للاضطهاد والملاحقة عبر التاريخ الإنساني، ولعل أشهر من اضطهد من المفكرين أو المثقفين في تاريخنا الإسلامي الإمام ابن حنبل وقاضي قضاة قرطبة أبو الوليد ابن رشد، فأما الأول فكان له مع المعتزلة قصة معروفة (خلق القرآن)، وأما الثاني فلفقت له تهمة الزندقة وأحرقت كتبه وتم نفيه إلى قرية "أليُسانة" المجاورة لقرطبة.

كما يحدثنا التاريخ الأوروبي – كل التاريخ إنساني على فكرة، لا هو إسلامي ولا أوروبي ولا غيره - عما وقع لكل من كوبرنيك وغاليلو من مظالم وعذابات، التي تذوقا مُرها، وكلٌ في سبيل نشر الحقيقة ومحاربة التدليس. ليس لإنسان الحق في تعذيب الناس أو ملاحقتهم بسبب أفكارهم ما لم يدعُ هؤلاء إلى قتل الناس. 

منذ مدة ليست بالقصيرة عاشت مصر أحداثاً مهمة للغاية، ففي سنة 2011، وبالضبط في 25 من يناير/ كانون الثاني شهدت بلاد الأزهر الشريف ثورة شعبية أطاحت بنظام حسني مبارك الذي استمر في الحكم قرابة الثلاثين سنة (14 أكتوبر/ تشرين الأول 1981 - 11 فبراير/ شباط 2011)، وما أن ظن الشعب المصري أن ثورته قد نجحت بتنحي مبارك - تحت الضغط الشعبي - حتى تكالبت عليه الأيام وقلبت فرحته غماً، فمن رئيس مدني منتخب ديمقراطيا بانتخابات وصفت من كل أنحاء العالم بأنها "أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ مصر"، إلى ما هو معروف لدى الناس اليوم، ومما يزخر به التاريخ ويسميه المتخصصون بـ"الثورة المضادة".


ليس المجال للغوص في بحر الأحداث التي شهدتها مصر، ولسنا هنا نحلل القضايا السياسية ولا نرمي الاتهامات جزافاً، ولو أننا أطلقنا على ما حدث لقب "الثورة المضادة"، فقولنا هذا بعيد عن تحزب أو أيديولوجيا تحكمنا، والذي يعرفني متأكد من أني لست إخوانياً ولا أميل لأي حزب كان، ولكن من باب الأمانة ومن باب قول الحق الذي تعلمناه انطلاقا من ديننا، ورأينا رسول الله يوصي صحابته به، حتى قرأنا أن "علي بن أبي طالب" يشهد بالحق في قصة القائد الفارسي، وعرفنا أن عمر أعطى لرجل حقه رغم أنه يكرهه، والقصة معروفة، يكفي أن تكتب "قصة سيدنا عمر مع قاتل أخيه". وانطلاقا من كوننا متخصصين في التاريخ وندرك من خلال تحليلنا للأحداث أن ما حدث لا يمكن لعاقل أن يسميه بغير "ثورة مضادة".

لله في خلقه شؤون ولله في سنن كونه اَيات يعلم من علمها ويجهلها من جهلها، وكذا للثورات المضادة سنن لا تتغير ولمنفذيها سنن دأبوا على ممارستها حتى صارت عبادة خاصة بهم. ومن أهم سنن الثورات المضادة أو من أهم ما تفعله الأجهزة المنقلبة على الحكم الشرعي دائما وأبداً - ويمكنكم الوقوف على كل الثورات المضادة في العالم - إلقاء القبض على أي شخص مساند للدولة الشرعية السابقة، لا نقول على أعضاء الأحزاب أو الجمعيات، بل أي شخص سواء كان متحزبا أو غير متحزب، مثقفاً أم لا، غنياً كان أم فقيراً ذا حاجة، لماذا تفعل ذلك؟ ومرد ذلك كونها تدرك حقيقتها أكثر من أي شخص اَخر وتعرف أنها غير شرعية وأنها ضد الديمقراطية وضد معظم أفراد الشعب، سواء الذين يميلون للحاكم السابق أو الذين يعارضونه، ولكنهم يحتفظون بالكثير من العدل والاستقامة ولا يسعنا إلا أن نشد على يد كل ناصر للحق.

قلنا إن قادة الثورة المضادة لا يميزون بين أي كان، ما دام اشتبه في أنه يحن للنظام الشرعي، ولما أن النظام السابق قاده تيار الإخوان فقد بات كل ملتحٍ إخوانياً، بل يتعدى ذلك فيصبح كل منتقد للنظام القائم إخوانياً، كما حدث منذ مدة عندما ألقي القبض على فتى وأودع السجن بتهمة الانضمام للإخوان المسلمين ليتبين بعد ذلك أنه مسيحي.

ساهم الإعلام ويساهم في ترسيخ هذه الفكرة القائلة إن كل من ينتقد النظام إخواني، حتى صدقها من يعتقد المرء أنهم عقلاء ربما خوفاً من النظام أو طمع في الشهرة والقليل من الدولارات.

لم أكن أتوقع أن أكتب كل ما سبق، لقد كان هدفي واضحاً "أطلقوا المهندس أيمن عبد الرحيم"، لا غيره، وكم وددت لو كتبت هذا النداء فقط، ولكن الشيء بالشيء يذكر، ولم يذكر هذا الرجل إلا قليلاً، ولم أكن أعرفه طوال هذه المدة، وهذا ما زاد من يقيني بأن أي تهمة ستلفق له، هو بريء منها، ما عدا تهمة واحدة "الذكاء المتوقد وحب الشباب"، هذه التهمة التي أرى أنه يستحق السجن عليها مدى الحياة، فكيف يكون الرجل ذكياً في نظام مبني على الاستهبال والاستعباط، وكيف يحبه الشباب ونحن نسعى لأن يحب الشباب الممثلين والمغنين، هذا لا يعقل.

لقد عرفت المهندس أيمن عبد الرحيم من أحد الأساتذة المصريين الكرام ممن هم أصدقاء لي على الفيسبوك، فقلت لأسمعن لقول هذا الرجل، فما والله ما هي إلا محاضرة واحدة فالثانية حتى قلت "ما أجمل قوله وما أعمق فهمه"، إنك لتجد في ما يقول حلاوة وقبولاً وفي ما يقدمه علماً ومنهاجاً، فليس كالبقية.

فالمهندس أيمن جدا مطلع، ومتمكن للغاية، ووجدت نفسي أخيرا بين كتاب أقرأه ومحاضرة له فأختار المحاضرة، وهذا ما لم يحدث لي إطلاقا. وقد اختار لنفسه مهمة النهوض بوعي الشباب المسلم لعله ينقذ ما يمكن إنقاذه من براثن الانحطاط الذي نسبح فيه جميعاً.

لن يختلف عاقلان على أن دخوله السجن لم يكن لسبب معين ولا لسبب منطقي، حتى أني قضيت يومين أبحث عن الجرم الذي ارتكبه فلم أجد، أطلقوا المهندس أيمن عبد الرحيم، أنتم لا تعرفون قدره، أنتم ترمون بمصر في السجن لا المهندس أيمن.