ثورة النهب والتصفيق!

ثورة النهب والتصفيق!

24 مايو 2020
+ الخط -
هل حقاً أنَّ الثورة في سورية كانت ثورة على النهب والتصفيق، بدل من أن تكون ثورة على النظام الفاسد، وجرائمه التي لم يخلص منها أحد؟!

الثورة في سورية، وإن قامت، على تغيير النظام الحاكم الذي تشبّث في السلطة على نحو أكثر من خمسين عاماً، إلّا أنّها جاءت أيضاً صحوة للكثيرين ممن تسيّدوا السلطة واستحكموا في المناصب وفي أعناق الناس التي أُسندت إليهم، وحدهم دون سواهم، المكانة التي تليق بهم وتأمر وتنهى وتحكم بيد من حديد، فضلاً عن البعض ممن شملتهم نار الثورة، وإزالة أعداد هائلة من الموظفين من أماكن عملهم ورمت بهم خارج حصن مؤسساتهم ودوائرهم التي سبق لهم أن أحكموا قبضتهم على مفاتيحها طوال سنوات مضت، ولم يكن بمقدور المسؤول، رأس الهرم، القدرة على لجمهم وإزالتهم، لأنهم دفعوا الغالي والنفيس حتى يتمكنوا من الوصول إلى الكرسي، وإشغاله بالطريقة التي تروق لهم بعيداً عن الرقيب الذي لم يكن له أي دور سوى غضّ الطرف عن أخطائهم، ما جعلهم قوّامين على المسؤول الذي لم يكن من بد في الإسراع في تلبية طلباتهم، وتقديمها على طبق من فضة، لم لا، ما دام أنه مستفيد من كل ذلك؟!


فالثورة السورية نجحت إلى حدٍ بعيد في حصادها لأمثال هؤلاء الموظفين، واستطاعت إزالتهم والرمي بهم بعيداً عن الوظائف التي كانوا يشغلونها برغم أنف الإدارات المتعاقبة التي حصنتهم وكانت المدافع عنهم، مهما كان جبروتها، وهؤلاء لم يقصّروا في السرقة والنهب، وشغل المكان بالطريقة التي يريدون، وما على هذا المسؤول إلّا أن يُشير بإصبعه نحو الهدف المطلوب، والمنصب الذي يرغب فيه وينفّذ ما يطلبُ منه ما دام أنّه قادر على دفع المعلوم، ومهما كان الرقم المالي كبيراً سيضطر إلى دفعه لقاء شغله المكان الذي يبيض ذهباً، وهذا ما يبحث عنه!

الثورة، وهذه حقيقة -وعلى الرغم من بعض النتائج السلبية التي رافقتها- تخلّصت من شرذمة فاسدة عقيمة استوطنت في مكانها وأفسدت العباد، ولسنوات! فالثورة، نجحت في هذا الإطار، ولولاها، لما استمرت تلك النُخبة الفاسدة من الموظفين الفاسدين وظلت على رأس عملها، وازدادوا طغياناً ونهباً، وسعوا في الخراب الذي جرّه الخراب، وإلى اليوم!

الثورة على الفساد، أجدُ أنها كانت نعمة وليست نقمة، وإن راح ضحيتها أناس أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل! ظلّت الصورة، وإلى هذه اللحظة، بحاجة ملحّة إلى موقف حاسم وحازم لجهة نظام فاسد، ما زال وللأسف، يقرّ المراسيم، ويصدر القرارات، ويبت بالتعليمات، ويأمر بالأوامر الإدارية، في ظل بلد تهاوى وفَسد ونهبت أمواله، وأصبح المواطن فيه لا قيمة له.. مع مستقبل غامض ما زال التصفيق والضحك على اللحى هو مبدأه، وإذلال الناس غايته.

والأنكى من ذلك أن المستفيدين من وجوده، هؤلاء النخبة من الصغار، الذين يتهمون الآخر بالتآمر على النظام، وهم أكثر الناس فساداً وباتوا يشغلون اليوم أماكن حسّاسة، ويسرقون المال العام، وبعلم "زلم" النظام، وقيادته الحكيمة التي لا تعرف طريقاً سوى الإشادة بنظام فاسد، وحكومة تتجاهل مطالب مواطنيها الذين وصل بهم الحال إلى اللعنة على هكذا حكومة، وقيادة ما زالت تمجّد التماثيل وتحتفي بصناعتها، وتتفنن في إشادتها وتقديسها كرمى عيون زمرة فاسدة، وما على الآخرين سوى التصفيق والخنوع لها!

الثورة، برأيي، جاءت رداً على الوضع القائم في سورية بالقضاء على الفساد الإداري والنهب المستشري. الفساد الذي شمل جميع الوزارات والمؤسسات والشركات، والإدارات العامة والمديريات، ونال منه قسم كبير من موظفيها، فضلاً عن التصفيق الذي لم يكن له مبرر في كل المواقف التي كانت تؤيد النظام وزمرته الخبيثة الطاغية، بل إنّها جاءت في وقت كان فيه المواطن في حاجة لها، مع التزامه الصمت من البعبع ولهجته الحادّة الشرسة التي لم يسلم منها أحد!

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.