التأمّل في زمن كورونا

التأمّل في زمن كورونا

12 مايو 2020
+ الخط -
صار من سمات زمن كورونا طرح الكثير من الأفكار حول كيفية قضاء وقتك أو حياتك بعيداً عن الآخرين، أو مع خليك في البيت "سواء شئنا أم أبينا". ويبدو أنَّ هذا الزمن في هذه الأجواء من القلق والرعب والانكباب على النفس، وأحياناً محاسبتها بشكلٍ أو آخر سوف يأخذنا إلى مرحلة جديدة من المواجهات النفسية وجلد الذات أحياناً.

وفي كل الأحوال هذه الحالة من المواجهة مع النفس وليس مع الفيروس خلقت ارتباكاً في الدماغ وحالة ضياع طالما أنّها تجربة جديدة لم يخضْها بعدُ بعضُ الأجيال.

تلك التي وجدت الوفرة في الإمكانيات والأدوات وفي النظام المتاح لها، من التعليم والعمل والترفيه وأنماط حياة تشكل وتكبّل رجالاً ونساء، ومن الصعب التمرّد على هذا النمط الجديد من الحياة أو الخروج منه، وهو يُمثّل المنطقة الآمنة في حياتنا، ثم جاء كورونا وقلب كل هذا وأكثر.

وبتأمّل ما يحدث حولي أجدُ نمساوياً، أو حتى عربياً مهاجراً قدم البلد وعاش فيه فترة من الزمن، ويمتهن الكتابة الأدبية يعترفُ بالقول: نعم لديّ الوقت الكافي ولكن أين الدافع أو المزاج الذي يدفعني إلى الكتابة خاصة أنَّ بالي مشغول ومهموم بما نعيشه الآن، وبما نجهله أو لا نعرفه بتاتاً عمّا يُسمى بفترة ما بعد كورونا؟!


وأسمع من أكثر من شخص تحدثت معه عبر الهاتف: كثيراً ما افتخرنا بالابتكار، أو ما يمكن وصفه بقدرتنا على الابتكار والإبداع في مواجهة الأزمات، لكن أين روح الابتكار في هذا الوقت الصعب؟ ثم متى سنجد تعاوناً بناءً بين واشنطن، ومراكز القوى والنفوذ الأميركيّ، ودول العالم الآخر مجتمعة في مواجهة كورونا؟ وهذه الجهات لديها كما هو معروف أفضل العقول المبتكرة للحلول ومواجهة الأزمات!!

وبما أننا نعرف وندرك أن عند الشدائد تتكشف النوايا الحسنة القادرة على مساعدة الآخر وعلى مدّ يد العون له، فإن التأكيد على أهمية التواصل ومشاطرة الآخرين في أزماتهم ضرورة حيويّة لا جدال فيها. هذا ما يتحدث عنه خبراء النفس سواء هنا في فيينا أو في برلين، كما هو الحال في واشنطن، ومدريد وروما وباريس وبكين، وغيرها من مدن العالم في ما يخص العطاء كمفهوم إنساني ضروري للنفس البشرية.

نحن اليوم في حاجة ماسة ونفسية للوقوف مع الآخر. وفي هذا الصدد يُفسّر العلم لنا طريقة بسيطة وفعّالة لتعزيز وتأمين سلامة صحّة مشاعرنا وأحاسيسنا. ومن أجل مساعدة نفسك عليك أن تبدأ بمساعدة الآخرين، ولو كانت المساعدة عن بُعد، فالتطوّع شخصياً بمفهومه التقليدي ربما لم يعد له وجود في الزمن الراهن، إلّا أنَّ التطوّع بالتواصل الإلكتروني والتأكيد على اهتمامك بالآخر واحتياجاته مهما كانت بسيطة، يعني الكثير للآخر، ويعني لك أنك قادرٌ على التخفيف أو التقليل من هموم الآخرين وآلامهم، ومن وحدتهم القاتلة! وظلّ السؤال قائماً وجائزاً طرحه في زمن كورونا.. وهو: هل مساندة الآخرين في أزماتهم ضرورة حيوية؟ طبيعي أنَّ الإجابة عن هذا التساؤل لا تحتاج إلى مزيد من التأويل أو التردّد.

فمساعدة الآخرين في كل الأوقات واجبة علينا، وليس في زمن كورونا فقط.. وهذه المساعدة ليست بجديدة على كثير من الأفراد، وكذلك الدول التي سعت وتسعى جاهدةً في تقديم يد المساعدة لأخواتها الدول الأخرى، في التغلب على أزماتها ومساعدة أهلها..

وهذا الوباء المستجد الذي ضرب الكثير من الأماكن في العالم، وكانت له نتائجه السلبية على الواقع الصحي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي، السياحي والرياضي لأغلبها، ما زالت الكثير من دول العالم تعاني منه.

هذه الجائحة التي تركت نقاط ضعف كثيرة لكثير من الدول التي تحاول جاهدةً التغلب عليها، ومبادرة البعض منها بتقديم المساعدات الطبية والمالية لتخليصها مما هي عليه من صور مؤسية كان لها نتائجها السلبية حيال ما آلت إليه ما أفقدها هيبتها ومكانتها والعودة بها إلى طلب المساعدة لتجاوز أزمتها، فضلاً عن أن ظهور جائحة كورونا أبرز قلقاً كبيراً للدول والشعوب بشكلٍ لافت مع بداية عام 2020، ما جعل منظمة الصحة العالمية توجّه الحكومات بعمل المستحيل لمواجهة هذا التحدي الكبير الذي تعدى كل الحدود، وتعرّض الكثير من الشركات الغذائية إلى خسائر لا تُعد ولا تحصى من خلال هذه الكارثة التي كان لها نتائجها السلبية، وهذا ما دعاها إلى عقد مؤتمر في بروكسل العاصمة البلجيكية شاركت فيه العديد من الدول التي أسهمت في جمع مبلغ 8.07 مليارات دولار لجهة تطوير اللقاح وتصنيعه وتوزيعه بعد إيجازه طبيّاً، وقد تتجاوز تكاليف اللقاح 25 مليار دولار، ورغم ضخامة التكلفة، لكنه لا يتجاوز خسارة يوم واحد في عالم سيتكبّد 9 تريليونات دولار من إجمالي ناتجه المحلي جرّاء الجائحة..

أزمة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" تجتاح العالم اليوم بلا حدود، ظلّت وإلى اليوم بلا حلول، وكل المحاولات الطبية والعلمية ما زالت في طور التجارب على الرغم من الأرقام المالية اللافتة التي وفرتها الدول الكبرى في العالم لجهة الإحاطة بهذا الوباء، لأجل إيجاد الدواء اللازم الذي يتكفّل بعلاج المصابين به، وهذه حقيقة دفع ثمنها اليوم الملايين في العالم الذي ينتظر الحل الأمثل الذي يمكن أن ينصف المرضى من هذا الشرّ المستطير الذي فتك بهم، فيما ازدادت أعداد المصابين والموتى مع كل يوم إلى أرقام مرعبة..

دلالات

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.