خواطر على هامش المسلسلات

خواطر على هامش المسلسلات

11 مايو 2020
+ الخط -
طيب، بحمد الله وتوفيقه، شعر النجم أمير كرارة بالسعادة والانبساط، لأنه لعب دور الشهيد أحمد المنسي ببراعة، وشعر بالفخر والشرف هو ومخرج مسلسل (الاختيار) ومؤلفه وفريق العمل، والجمهور العريض المتحمس للمسلسل تأثر وبكى وابتهج ولعن سنسفيل كل من لم يعجبه المسلسل وشكك في وطنيته، والمواجع "اتقلّبت بزيادة" على أهالي الشهداء والجرحى الذين جاءت سيرتهم في المسلسل، والذين لم تأت سيرتهم، وعلى أهالي سيناء الذين أخرجتهم الدولة وجمهورها من حساباتها، كل ذلك حدث، وليس لنا فيه حيلة، لكن للأسف سينتهي رمضان كما انتهت رمضانات من قبله، بدون أن يجيب أحد من أولي الأمر أو من يدعون أن الأمر يهمهم، على أسئلة شديدة الأهمية من بينها على سبيل المثال لا الحصر:

إلى متى ولماذا وكيف يظل نزيف الدماء في سيناء مستمراً؟ وهل من حق المواطن المصري أن يفهم ما الذي يحدث في سيناء ولأهلها؟ ولماذا فشلت كل الوعود التي قطعها مسئولو نظام السيسي منذ سنوات بأن سيناء سترجع في أسرع وقت "خالية من الإرهاب ومتوضيّة"؟ وهل يمكن للمواطن الذي لا يجرؤ على انتقاد مسلسل تلفزيوني في العلن، لكي لا يتم اتهامه بأنه إخواني أو خلية نائمة، أن يجرؤ على المطالبة بمحاسبة ومحاكمة المقصرين والمتخاذلين والمفرطين في تراب الوطن الذي يفترض أن الشهداء يموتون من أجل الحفاظ عليه؟

وإذا كان المفروض أن شهداء عظماء مثل أحمد المنسي عليه رحمة الله فقدوا حياتهم لكي يتخلص الوطن من إرهابيين حقراء مثل هشام عشماوي عليه وعلى المبررين له والمتعاطفين والمتواطئين معه ألف لعنة، ألا ينبغي أن يكون لهذه التضحيات العظيمة معنى أهم من أن يجلس شخص عديم الكفاءة على كرسي الحكم لكي يحقق أحلامه في السلطة، ويتربح هو وأسرته والمقربون منه دون رقيب ولا حسيب، لأن من يطالب بوجود رقيب أو حسيب على المال العام وعلى طريقة صنع القرار في البلد، يتم رميه في السجن ويضيع مستقبله ويتم نهش عرضه وتلويث سيرته؟ وإذا كان نظام السيسي قد قام بحبس رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات لأنه حاول تأدية عمله بالحديث عن إهدار المال العام، وحبس صحفياً قام بعمل حوار معه، فهل يمكن أن يتسامح مع من ينتقد عملاً تلفزيونياً يتعامل معه بوصفه عملاً وطنياً "اتعمل عشان مصر"؟


طيب، ماذا عن الشهداء أنفسهم؟ ألا يشغلنا قليلاً أ ننفكر في معنى استشهادهم وهدفه؟ يا ترى لو أتيح لنا أن نسأل أحمد المنسي وغيره من الضباط والجنود الشهداء عن أحلامهم لمصر، هل كانوا سيقولون لنا شيئاً غير أنهم كانوا حتى آخر لحظة من حياتهم يحلمون بأن تكون مصر بلداً حراً لا يتحكم فيها فرد وأسرته والمنتفعون منه؟ هل كان المنسي وكل شهداء مصر سيختارون التضحية بأرواحهم لكي تتحرر أرض مصر من الإرهابيين، بينما يتم استعباد شعبها باسم الوطنية التي لا يرى منها المواطن في الواقع غير الشعارات والأغاني والوعود التي يتم التنكر لها بكل وقاحة؟

وإذا كان طرح هذه الأسئلة في العلن يمكن أن يذهب بالمواطن في ستين داهية، فهل يظن عاقل أن طنطنة الشاشة بالموسيقى الحماسية والمونولوجات الرنانة جيدة الصنع، يمكن أن يغطي على حقيقة أن البلد التي يتم حكمها بالخوف وحده، لا يمكن أن تتقدم، وإلا لكانت قد تقدمت قبل ذلك حين حكمت بالخوف بدل المرة مرات ومرات، ولم ينتج عن ذلك شيء سوى الهزيمة والتخلف والمهانة؟

يعني، لا مانع أن تفكر في هذه الأسئلة وأنت تتابع التمثيلية، وتبارك لصناعها، وتلعن سنسفيل المحروقين منها، وأنت وضميرك واختيارك.

...

مع بداية شهر رمضان كل عام، تبدأ مناوشات العديد من الأصدقاء على الفيس بوك وتويتر بخصوص مسلسلات وبرامج رمضان وتقييمهم لها بالسلب أو بالإيجاب، فيأتي على بالك أن تذكرهم باختراع قديم اسمه (الريموت كونترول)، يمكن أن يساعدهم على تجنب الفرجة على أي عمل يكرهونه أو يضايقهم أو يعصّبهم، خصوصاً تلك الأعمال التي تضايقهم كل سنة، وبدلاً من أن يتجنبوها يكررون الشكوى منها، ويستعدون السلطات عليها.

لكنك بعد قليل من التفكير والتأمل، تتذكر أن أصدقاءك وأحبابك ليسوا محتاجين لمن يعرّفهم بأهمية وقيمة (الريموت كونترول)، أنت الذي تحتاج لتذكير نفسك بأن الفيس بوك وتويتر وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، تم صنعها أصلاً لكي يثبت البشر وجودهم من خلال إعلان آرائهم الشخصية في كل الأشياء والأحداث والوقائع والأشخاص، ولكي يتواصلوا مع من يشاركونهم في مشاعر العداوة والمحبة والغضب والسخط، لأن لهذه المشاركة لذة وبهجة لم تعد متحققة في أرض الواقع الكئيب والذي يزداد حصاره لحظة بعد لحظة.

وحين تغيب اللذة والبهجة عن الأعمال التلفزيونية التي يفترض أن تسلي الناس وتمتعهم، لا تستغرب إذا وجدوا لذتهم وبهجتهم في معاداة هذه الأعمال ومهاجمتها ولعن سنسفيلها، صحيح أن بعض الأصدقاء الذين تتوسم فيهم العقل، تأخذهم الجلالة أحياناً فيقررون مشاركة موظفي الرقابة ومسئوليها في شهوة المنع التي تفرز هرمونات جميلة مسكرة للنفس، ويشاركون النقاد في بهجة إطلاق الأحكام الباتّة التي لا تقبل النقض ولا الاستئناف، لكن عليك أن تتذكر أن هذه الحالة لن تدوم طويلاً، لأنهم سيعرفوا بعد قليل أن كل الآراء في هذه الأيام ليست مهمة مهما كانت وجاهتها، لأن من يمنع ويذيع ويحجب ويختار أحسن وقت للعرض وينفي أعمالاً بعينها إلى أسوأ أماكن وتوقيتات العرض، هم مجموعة من الضباط الذين لم يمارسوا الفن من قبل ولم يدرسوا النقد ولم يمتلكوا حتى خبرة الرقباء على المصنفات الفنية، ولذلك تمكنوا بعون "الله بالوطن بالأمر)، من إعادة الكوميديا إلى زمن ما قبل علي الكسار وفؤاد الجزايرلي، وأعادوا الدراما إلى زمن ما قبل حسن الإمام وحسين صدقي، بغض النظر عن جودة الصورة وحبشتكانات حركة الكاميرا، ولأن الناس تحتاج إلى فرجة تساعدها على الهضم أو تجعلها تقضي أطول وقت ممكن، سيظل المتاح هو السائد، ولن يدفع أحد ثمن رداءة ما قدمه، وسيتكرر تقديمه لأعمال رديئة في العام التالي، وربما قدم ما هو أردأ.

القصد يعني، كل ما يكتبه الأصدقاء ويقولونه في مهاجمة الأعمال الفنية التي أخذت ختم الوطنية من قبل الضباط المشرفين على القنوات التلفزيونية، ليس إلا "تنفيسة" على رأي محمود المليجي ويوسف شاهين في فيلم (إسكندرية ليه)، وحتى يصبح لآراء المشاهدين قيمة، من حق كل من أراد أن يقول ما يريده، وكل ما ترجوه أن يتم ذلك "بالهداوة" وبأقل قدر ممكن من الضجيج ودون أن يخسر الناس بعضهم، "وأهي الأيام بتجري ومش هينفع للأسف نجرّيها أسرع من كده"، لكن ربما كان من اللطف أن لا نحاول جعلها أبطأ، بمرازاة بعضنا البعض والتنابز بالأذواق والآراء، وكل عام وأنتم بخير.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.