معادن الناس في زمن كورونا

معادن الناس في زمن كورونا

08 ابريل 2020
+ الخط -
كشف وباء كورونا، الذي ما زال يتمدد يوما بعد يوم في مختلف جهات العالم الأربع، عن بواطن الناس على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم ومراكزهم، فهناك من أبان عن معدن أصيل فسعى إلى مد يد العون والتضامن مع أخيه الإنسان أينما كان في الشرق والغرب، في الشمال والجنوب، وكيفما كان موقعه الاجتماعي ولون بشرته، باعتبار أن البشر كلهم لآدم وآدم من تراب.

أضف إلى ذلك أنّهم اليوم صاروا في سفينة واحدة مصيرها بين أيديهم وإن لم يضعوا يدا في يد أبيدوا جميعا عن بكرة أبيهم وأصبحوا حكيا محكيا، لذلك سعى كل واحد، حسب ما يملك، إلى التبرع من أجل إنقاذ سفينة نوح الجديدة هذه من الغرق وألا تكون لقمة سهلة بين أنياب الموت الأسود الذي نشره وحش كورونا في كل مكان وبات متربصا بالصغير والكبير، بالغني والفقير، بالأسود والأبيض بالأصفر والخمري..

ومن لم يجد ما يتبرع به من مال أو مؤونة قدّم أغلى ما يملك كل إنسان وهو حياته، ويا له من نبل عظيم أن يخاطر شخص ما بحياته من أجل إنقاذ حياة الآخرين! إن هذا عمل بطولي لا يمكن أن يقدم عليه أي كان، فالملائكة وحدهم من يسعون في خير البشرية.


ومن لم يستطع أن يقوم لا بهذا ولا بذاك فقد لزم بيته فكان آمنا وأمن الناس من شر يمكن أن ينشره دون علم منه فيموت ويقتل، ويكون بذلك قد نشر شرا كبيرا بين الناس يحاسب عليه لأنه لم يلتزم بقاعدة الحجر السحرية لينجي نفسه وينجي معه غيره بالكف عن إيذائهم.

هكذا إذن ظهرت بواطن الناس وظهر كل واحد من أي معدن هو حينما تفشى الوباء الأسود الذي لا يفرّق بين "السيد والعبد"، بين الغني فاحش الثراء، وبين الفقير الذي لا يجد ما يسكت به معدته، الكل عنده سواسية كأسنان المشط، من يصادفه يغرس فيه أنيابه، فقاعدته العامة هي قتل أكبر عدد من البشر، أو محوهم من سطح كوكب الأرض إن تسنى له ذلك، سواء باستخفافهم به أو باختلافاتهم في ما بينهم لمواجهته، وبالتالي كسب مزيد من الوقت والنقط للانتشار وتوسيع أطراف إمبراطوريته، وحينئذ يا ويل بني البشر إن تحقق له ذلك وتبّث أوتاد حكمه.

ومع أن كسب أي دقيقة في محاصرة هذا الغازي الجديد غير المرحب به هي دقيقة من ذهب فإن معادن الناس لم تكشف بعد عن كل ما هو جميل فيها، بعيدا عن ضغائن الأمس ودسائس الليل للحصول على مصالح خاصة، وكأنها على ما يبدو غير مدركة ما يتربّص بها من مخاطر، مع العلم أنه حتى وإن قدر لها البقاء فإنها ستجد عالما يحكمه نظام عالمي جديد، تأسس بناء على كيفية تعامل البشرية مع وباء خبيث غير منظور، لم تسلم منه الدول ذات الترسانة العسكرية المتطورة، والاقتصاد القوي، أو تلك الدول التي لا تزال تعتقد أن العصي هي الوسائل الناجعة لدحر العدو، ولا تزال تبحث بالكاد عمّا يقوي عودها، لقد جعل الوباء الخبيث الجميع في سلة واحدة، وقال أنا الأقوى، فهل من مبارز؟ ولا أحد تجرأ على مبارزته، ففرض نظامه الخاص وأوقف دواليب المصانع وجنون البورصات.

لكن ومع كل ذلك فهناك من لم يحرك فيه الحال الذي نعيشه ذرة إنسانية ليندم على ما فات ويفتح قلبه للحب والتضامن لعالم يسوده التواد والجمال بعيدا عن أرواح المضاربين والمحتالين الوصوليين، فهناك من لا يزال يحفر ويحطب بالليل بقلب خنزير..
C07D6E37-277B-47B4-AAA7-B94B7E80CB00
الطاهر حمزاوي

صحافي وكاتب مغربي، يعمل في المجال الإعلامي وينشر في عدد من المنابر الوطنية والعربية.