مهابيل على الطريق العام

مهابيل على الطريق العام

07 ابريل 2020
+ الخط -
استأنفنا في الجزء الثاني من سهرة الإمتاع والمؤانسة حكايةَ صديقنا الظريف "أبو نادر" مع أصدقائه الذين مروا به ليقنعوه بمرافقتهم إلى قرية أم زرزور لحضور عرس عباد ابن صديقهم.

أفراد شلة الأصدقاء دخلوا بيت "أبو نادر" ليتشاوروا في أمر الذهاب لحضور العرس، فاصطدموا بموقف غريب من نوعه، وهو أن "أبو نادر" كان قد أعطى أم نادر الحقَّ في أن تضربه بالشحاطة البلاستيكية إذا عرفت أنه ذهب أو يذهب إلى أي عرس في إدلب أو في الأرياف. هنا، لم يبق أمام الشلة خيار غير أن يضغطوا على "أبو نادر" من خلال زوجته، فأفهموها أن حضور عرس الشاب عباد واجب عليهم، لأن "أبو عباد" تزوج ثلاث نساء وخلف جيشاً من الإناث ليس فيهم ذَكَر سوى عباد. يعني عباد قطعة ذكرية نادرة، وعرسه جدير بالحضور.

عندما انتهى أبو عنتر من شرح الملابسات لأم نادر، وطلب منها أن توجد حلاً لهذه المعضلة، قالت وهي تفنجر عينيها بطريقة كوميدية:
- شوف يا خاي أبو عنتر، ترى أنا اقتنعت بكلامك، إنما خلط الأمور ببعضها مو كويس. لو كنت أنا مكان أبو نادر بروح على قرية أم زرزور، وبحضر عرس عباد، وبدبُك عَ الأول، دوه دوه دوه، وباخد معي مسدس وبقوص في الهوا.. لكن بنفس الوقت ما بطلب من أبو نادر يروح، أو ما يروح، هوي حر بنفسه، أما إذا راح بيصير من حقي أنفذ عقوبة الضرب بالشحاطة! صح؟

قال أبو عنتر: أي والله صح. كلام منطقي.

قالت: كمان في شغلة مهمة، أبو نادر هوي اللي فرض العقوبة على نفسه، يعني من حقه يلغيها، وإذا لغاها أنا ما بضربه!

قال أبو نادر لأصدقائه: أنا لما بتجي سيرة أم نادر أشو بقول لكم؟ مو بقول لكم إنه هالمَرَا بنت أصول؟ تصوروا بدها تعفيني من الضرب بالشحاطة. بنت أصول ما في كلام!


عندما وصلتُ برواية السالفة إلى هنا ضحك العم أبو محمد وقال:
- أنا بيعجبني هادا النوع من النسوان اللي بيتعاملوا مع رجالهن ومع أصدقاء رجالهن بمحبة. زوجتي الله يرحمها ما كانت بتعرف تمزح وتنكت، بس للأمانة بعمرها ما ضايقتني، ولا ضايقت حدا من أهلي أو أصدقائي.

قالت أم ماهر: طيب بعدين؟ راح أبو نادر معهم؟

قلت: أي نعم راح معهم. وفي منتصف الطريق تقريباً حصلت مفاجأة سارة. السيارة اللي استأجروها كانت ماشية بالصلاة على النبي.. وصلوا لمفرق الطريق اللي بيودي لقرية أم زرزور، وهوي عبارة عن طريق ترابي شبه مهجور، وبعدما مشيوا بهالطريق خمسة أو ستة كيلومترات، صارت السيارة تقطّش، وتفقّع، وتنط لفوق وتنزل لتحت، ووقفت، وانطفت.
قالت أم زاهر: دقيقة بالله. إنته اعتبرت هاي الشغلة مفاجأة سارة؟!

قلت: طبعاً.

قالت: غريبة. ليش بقى سارة؟

قال كمال: أنا بجاوبك بالنيابة عنه. يا ستي نحن الكتاب مننبسط لما بتصير في القصة عقدة، أو مشكلة، أو أزمة، لأن لو قلنا إنه الجماعة سافروا، ووصلوا بالسلامة، وحضروا العرس، وأكلوا لحم خواريف، ودبكوا، ورجعوا، وما صار معهم شي، أيش بيكون القصة إلها طعم؟ وجود المشكلة يا أم زاهر بتعمل دراما.

قلت: كلام صديقنا كمال صحيح، لكن القصة بوجود أبو نادر ما بتعمل دراما، وإنما بتعمل كوميديا، لأن أبو نادر لما تعطلت السيارة أحس بالعطب وسأله للسائق بلهفة:

- إن شاء الله في معك عدة تصليح وبتحسن تصلح السيارة بسرعة؟
السائق قال له: والله صعب يا حاج. السيارة عم تفوّر مَي في الرادياتور، وعم تهرب زيت، هالشي معناته إنه انحرق جوان الكولاص، وصار بدها تنزيل محرك.

قال أبو نادر: طيب نزل إنته المحرك. ما بتحسن؟

ضحك السائق ضحكة عالية وصافية وقال:
- أنا بدي أنزل المحرك؟ يا سيدي السيارة بعدما نوصلها على ورشة التصليح بالسلامة، وإذا الميكانيكي بلش فيها اليوم، بدها خمسة أيام لتخلص، وبعد تنزيل المحرك بدها شي أسبوع روداج.. يعني تشغيل المحرك الجديد من دون مشي، وإذا مشيت لازم ما تزيد السرعة عن 60 كيلو متر في الساعة. هلق إنتوا بلا مؤاخذة لازم تدبروا حالكم بواسطة نقل غيرها، لأن سيارتي بدها شحط بالرافعة لإدلب.

هون ارتفع حس التهكم والسخرية عند أبو نادر وقال للسائق:
- ما بعرف شلون بدي أشكرك على صراحتك، ووضوح الرؤية الموجود عندك.
وقال لأصدقاء الشلة: وإنتوا كمان لازم إتشكركم، أول شي لأنكم اخترتوا الأخ حتى يجيبنا عالعرس، وترى هالأخ كتير فهيم ومحترم، وعنده إيمان بمقدرة سيارته على المشي في الطرقات الوعرة.. وأنا تبين لي إنه كتير حريص ع سلامتنا، ما سمعتوا أيش قال لي؟ قال لي لازم تدبروا حالكم. صحيح نحن ما منعرف شلون بدنا ندبر حالنا في هالمكان المنعزل، بس المهم النصيحة. الزلمة نصحنا ندبر حالنا ولا لأ؟

وقال للسائق: شوف يا أخ.. الإسم بالخير؟

قال السائق: أبو أيمن.

قال أبو نادر: شوف يا أخ أبو أيمن، بدي أنصحك نصيحة وأنا بسعر والدك، لما تشحط سيارتك وتوصلها عالورشة منشان التصليح، لا تخلّي الميكانيكي ينزّل لك المحرك، حاول تصلحها تصليح من قريبه، وبما تيسر.. المهم إنها ترجع تمشي، وبعدها تابع عملك في توصيل الناس، وحتى لو تعطلت السيارة ع الطريق ونزلت الركاب متلما نزلت حضراتنا هون. وصدقني إنته راح تكون الرابح الوحيد بهاي العملية. اسألني ليش؟

قال السائق الذي لم ينتبه لنبرة السخرية في كلام أبو نادر: ليش عمو؟

قال أبو نادر: لأنك هيك بتكون عم تساوي ذكريات. إنته لما بيكبر، وبتعجّز، وابنك أيمن بيستلم السيارة مكانك، شي يوم بتكونوا قاعدين في البيت وبيجوا ولاد أيمن وبيقولوا لك:
- جدو، احكي لنا عن ذكرياتك لما كنت سائق سيارة..
فبتحكي لهم قصص كتيرة. على إنه في ناس كنت آخدهم توصيلة وتعطلت فينا السيارة على طريق ضيعة "عين شيب"، مثلاً، وفي ناس مهابيل حاشاكم يا أولادي كنت آخدهم ليحضروا عرس في قرية أم زرزور وتعطلت فينا السيارة.

قال السائق: حاشاكم يا عمي. إنتوا مو مهابيل.

قال أبو نادر بحزم: مهابيل ونص. ليش في حدا عاقل بيروح من إدلب لأم زرزور حتى يحضر عرس؟!

(للقصة بقية)
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...