قرأت لك: كيف نحصل دائمًا على ما نريد (3)

قرأت لك: كيف نحصل دائمًا على ما نريد (3)

06 ابريل 2020
+ الخط -
انتقل من تدوين أحلامك وتوثيقها إلى مرحلة جديدة، مرحلة إنشاء لوح الأحلام Vision board تضع عليه الأحلام المؤجلة والمتوقعة، وتسعى من الآن لتنفيذها، وحدد مكانًا آخر للتباهي بإنجازاتك أمام نفسك.

ليس هناك رجل عصامي بالمطلق، بهذه الجملة يبدأ ستيف هارفي الفصل الحادي عشر، ولفض الاشتباك يؤكد هارفي أن العالم انتقل الآن من العمل الفردي إلى الألعاب الجماعية؛ فلتجمع حولك من يساعدك وتساعده، وبتوسيع شبكة العلاقات وطلب المساعدة من أهل الاختصاص، تقترب من بؤرة النجاح المأمول. لا تتردد في طلب الحاجة، ولا تتحرّج أو تضع معوّقات أمام نفسك، كن دقيقًا في طلبك، انفتح على الآخرين ما استطعت، ولا تأخذ الرفض على محملٍ شخصي.

بناء العلاقات مفتاح السحر في إنجاز مهام عدة، ويتطلب منك ذلك أن تعرف قدر نفسك، وأن تحدد ما تريده بالضبط، وألا تخلط بين أشياء تستحقها من منطلق الجدارة، وأخرى من منطلق الأحقية، ثم انقل وجهة نظرك بوضوحٍ لا يقبل اللبس، ولا تضع فرضيات مسبقة عن أي شيء.

قد يتعين عليك أن تعرّف الآخرين بقيمتك، وأن تكشف لهم عن جانب من مهاراتك غير المعروفة لديهم، لكن لا تكشف أوراقك كاملة، واجمع بين الانفتاح والحذر في تعاملك، ولا تساوم على قيمك ومبادئك.

لا تقيّد أحلامك ضمن نطاق مهنتك أو عملك اليومي، ثق أن الوظيفة لا تعني الموهبة؛ فموهبتك ألصق بك من الوظيفة، وقد تفيد من موهبتك في أكثر من وظيفة. كذلك فإن الموهبة أكبر من اللقب أو المنصب، إن أدركت ذلك فإنك ستثابر لصقل مواهبك، إذ إنها ستعيش معك أطول من وظيفتك، ستكون معك في حياتك الخاصة والعامة؛ فموهبتك موجودة لأنك أنت موجود، في حين أنك موجود في الوظيفة مدة غير مؤكدة.


الحديث عن موهبتك يقتضي بالضرورة التفرقة بينها وبين المهارات أو القدرات، ومع أهمية المهارة أو القدرة فإن موهبتك هي اللبنة الأولى في تشكيل تفردك عن الآخرين؛ فاكتشف موهبتك وغذّها بالشغف الذي يضمن نموها وتحسينها باستمرار، ما يرفع من قدرك ويضاعف أهميتك، ولا تُهمل موهبتك مهما كانت التحديات شرسة.

يُطلق هارفي تعبير "سيماء الموهبة" على كل موهبة، ويفرّق بين الموهبة من جانب والمهارات والقدرات من جانب آخر، فالموهبة بذرة تُوضع في تربة المهارات والقدرات لتزيد توهُّجًا وتأثيرًا، وموهبتك تحدد ما يتوقعه الآخرون حين تنضم إليهم، إنها لمستك الخاصة وبصمتك المتفرّدة. لا تملك المواهب مدة صلاحية، الوقت مناسب دائمًا لاستثمار الموهبة، ولا تفوّت فرصة استثمار "مطية العصر"، أو التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل، للترويج لموهبتك والتعرف على فرص جديدة.

في إطار سعيك للتفرد، ينصحك هارفي بألا تتجمد في قالب واجد، أو تبقى على حالة واحدة، فنوع الوسيط الذي ينقل موهبتك للعالم لا يقل أهمية عن ماهية الفرص التي ينبغي عليك التشبث بها، أو الأخرى التي يجب أن تهدرها بطيب خاطر.؛ فاختر لنفسك وسيلة نقل مناسبة لموهبتك وتخدم غرضك، قد تصل إليها من المرة الأولى، وقد تحتاج للتجريب مرارًا حتى تستقر على الشكل الأفضل، يتأثر ذلك بفهمك لطبيعة تكوينك الشخصي، وحرصك على إعادة ابتكار ذاتك.
كثيرون لا يفهمون جيدًا -أو حتى لا يفهمون بالمرة- طبيعة تكوينهم الشخصي، ليسوا صادقين في أهدافهم، يبالغون في أحلامهم دون السعي لتنفيذ أيٍّ منها، حالمين فحسب! أخرج من هذه العباءة، كن صادقًا مع نفسك وواقعيًا في تخطيطك لحياتك، لا بأس أن تحلم ولكن فرِّق الأهداف والأحلام؛ فالأهداف أحلام أقدامها على الأرض. استعن بالأهداف الذكية SMART لتقييم موقفك؛ فلتكن أهدافك محددة Specific، وقابلة للقياس Measurable، وقابلة للتحقيق Attainable، ذات صلة بموهبتك ونطاق اهتماماتك Relevant، ومرتبطة بجدول زمني Time-sensitive، ولتكن هذه بوصلتك في تمييز أهدافك والفصل بينها وبين أحلام اليقظة.

احرص في الوقت نفسه على تعلم عادات جديدة، كأنك تضيف صورًا جديدة إلى ألبوم صورك، الموهبة في كل الصور وإن تنوع مكان الصورة أو تفاصيلها، روح موهبتك تشع منها وتؤطرها، هذا يضيف إلى خبراتك ويصقل موهبتك ويرفع أسهمك في تحقيق نجاحات مؤثرة ومبهرة. إذن لا تتوقف على مهارة واحدة؛ فصاحب الصوت الجميل مثلًا قد يقرأ القرآن الكريم، وربما ينشد أو يبتهل، ربما يغني أو يؤدي أداءً صوتيًا في الأفلام الثائقية والإعلانات والمواد الدعائية الأخرى؛ فالموهبة واحدة في كل هذه المناحي، لكن لكل اتجاه اسس ومهارات تستوجب الإلمام بها، وتكوين عادات جديدة تُظهرها في أبهى حلة.

بعد تحديد الأهداف وقياسها، تأتي الخطوات التنفيذية وتتحدد الإجراءات ومسارات العمل، وهنا شدّد على اتخاذ مسارات قابلة للتحقق بالدرجة الأولى، ورتّب قائمة أولوياتك باستمرار وتحلى بالمرونة. لا تقتل الخيال؛ فإن أينشتاين يقول "الخيال هو كل شيء، إنه الغرض الخاص لمسيرة الحياة"، وتأسيسًا على ذلك احلم أحلامًا كبيرة، لكن اربطها ولو بخيط رفيع من خيط الواقع، لتنطلق من أساس مناسب، ثم حلِّق في الأجاء كيفما شئت.

قد تراودك نفسك بالمراوحة في مكانك، والركون إلى منطقة راحتك، عندها اقرأ سير العظماء أو شاهد أفلامًا تروي سيرهم الذاتية، لتقارن بين مغامراتهم في سبيل تحقيق أحلام كبيرة، وبين حياتهم إن لم يخوضوا تلك المشاق، وسل نفسك: أترى يجدر بي أن ألتصق بمنطقة راحتي؟ ألم يأنِ الوقت للمغامرة وتقحُّم طرقٍ غير ممهدة؟ سيفتح الجواب شهيتك لبلوغ مناطق بعيدة ونجاحات عديدة.

هنا ستتخفف من أعباء تكبِّلك، ستخلص من أوزان زائدة تعيق انطلاقتك، وستحذف مهامًا لا فائدة منها، وستحدد نوعية قراءاتك للمرحلة المقبلة، ستشاهد نوعية بعينها من الأفلام والوثائقيات والبرامج، ستمضي وفق بوصلة ممنهجة، وستطلق مرحلة العشوائية طلاقًا بائنا.
في الجزء الأخير من الكتاب، يعود هارفي إلى الحديث عن الموهبة من طريق آخر، وهذا موضوع لقائنا المقبل بمشيئة الرحمن.