لحظة سعيدة

لحظة سعيدة

05 ابريل 2020
+ الخط -
أعترف بأن قيادة السيدات للسيارة بها عيوب كثيرة. أوضحها، في رأيي، الحرص المبالغ فيه إلى حد التوتر. ولا أظن أنه من الصعب تبرير ذلك بحالة نفسية عامة من التوتر الذي يتحتم على المرأة أن تتسلح به في مجتمعاتنا لمواجهة كل المخاطر والمشاكسات و"تكسير المقاديف" من الجميع..

فعلا سيدات كثيرات يحتضن المقود بقلق عجيب ولسان حالهن: بتاعي ومحدش حياخده! وكثيرات يحرصن على مراقبة الأسفلت أمام عجلات السيارة لدرجة تشكك المرء وتدفعه للتفكير في ما تحاول السيدة تفاديه من حشرات الطريق!

وكثيرات يفشلن في صف السيارة بمحاذاة الرصيف لسنوات طويلة. ويمكن أيضا تبرير ذلك بالتوتر، فالظن أنه لا يوجد إنسان طبيعي سيُطلب منه تعلم هذه المهارة بتكرار التجربة، فيبدأ المحاولة بسلامة نية، ليجد خلفه من يلوح له بطول ذراعيه، ثم لا يستنكف أن يخرج رأسه كله من شباك باب سيارته، وقد يلطم وجهه في أداء مسرحي صائحا: مالكيش فيها يا أبلة.. أو الله يسامحه اللي علمهالك يا مدام.. وسيُفلح يعني!


المهم أنه وبالرغم من أن قيادة السيارة نشاط عرفته البشرية من أكثر من مائة وخمسين عاما، فلا تزال نساؤنا يعانين فيه وبسببه من أشكال وألوان من التنمر والعنصرية المتعبة. وبالرغم من وجود سائقات مبهرات كثيرات، لكن، بصراحة، تظل لحظات الانهزام النسوي كثيرة في موضوع قيادة السيارة هذا. لا تبدأ تلك اللحظات الحزينة بالفشل في صف السيارة، ولا تقف عند الجهل المطبق بمحتوى "الكبوت"، ولا تنتهي بالعجز عن تركيب الإطار الاحتياطي فضلا عن معرفة مكانه أصلا.

لكن الحقيقة، وبالرغم من ذلك كله، تظل هناك لحظات مضيئة ومفعمة بنشوة الانتصار وقادرة على تطييب جراح كل السائقات الغلابة. لحظات سعادة، على قصرها، كفيلة بإلهاء النساء الخارجات في غير ساعات حظر الكورونا عن هوس الماسكات والقفازات وكحول التعقيم، ومنحهن طاقة إيجابية لمتابعة السير وسط ظروف هذه الأيام الصعبة. ومن ذلك تلك اللحظة الرائعة التي تعطي فيها سائقة مخضرمة إشارة الانتظار، وتخرج ذراعها باحترافية سائق تاكسي لتشير إلى أنها سترجع للخلف للدخول في مكان بطول سيارتها بالضبط، فتلمح السائق خلفها يهز رأسه مستعجبا وحاملا للهمّ، وربما فكر في إيقاف موتور سيارته تحسبا لطول الوقت، ليجدها تدخل في المكان في ثوان، وبمحاذاة الرصيف تماما، ومن أول رجوع للخلف.

تنظر له صاحبتنا لحظتها في المرآة الخلفية، لتجده يرفع حاجبه باندهاش لا يلبث أن يكتمه سريعا، ثم يتحرك بسيارته ليكمل الطريق، ولا ينسى عند مروره أن يرمق بطرف عينه الجانب الأيمن ليرى "الست القادرة دي" وهي تبتسم.

صدقني.. لحظة بالدنيا وما فيها!

دلالات

6FDFDD52-19D3-452D-B4D5-4BCBF97AF6F3
أماني عيّاد

مدونة مصرية حاصلة على بكالوريوس علوم تخصص كيمياء، وبعدها "ليسانس" آداب لغة إنجليزية، من جامعة الإسكندرية حيث تقيم. عملت بالترجمة لفترة في الولايات المتحدة.

مدونات أخرى