تزوج الثالثة فحملت الأولى

تزوج الثالثة فحملت الأولى

05 ابريل 2020
+ الخط -
أصبح الحاضرون في سهرة "الإمتاع والمؤانسة" (التي نعقدها بواسطة الماسينجر بسبب فيروس كورونا اللعين) متشوقين ليعرفوا إن كان بطلُ قصتنا الظريف "أبو نادر" قد وافق أخيراً على الذهاب إلى قرية "أم زرزور" لحضور العرس الذي دعاهم إليه "أبو عَبَّاد آغا".. أم أنه استطاع التملص؟

كان أصدقاء أبي نادر الذين يلقبهم بـ "شلة فتح الله" قد طرقوا بابه ودعوه لأن يرافقهم في اليوم التالي إلى العرس في قرية أم زرزور، فقال لهم: عن إذنكم لحظة.

ودخل إلى البيت، وأغلق الباب وراءه. فتح خرانة الأحذية الخشبية المركونة وراء الباب، وحمل فردة شحاطة بلاستيكية من ماركة "زَنُّوبا"، قدمها لزوجته أم نادر وقال لها:
- أنا عاهدتكْ، يا رفيقة دربي، على إني طول حياتي ما بحضر عرس، واشترطت على نفسي إني إذا بحضر عرس في يوم من الأيام راح أخليكي تضربيني بالشحاطة، وهلق شلة فتح الله مرابطين لي بره، وممكن يحرجوني ويخلوني إحضر العرس، منشان هيك تفضلي اضربيني. هادا حقك.

ضحك المجتمعون على الماسينجر وقال كمال:
- المعروف إنه هاي العبارات مَجَازية، بتنقال منشان التأكيد على إنه القرار قطعي.. والغريب والمضحك إنك تلاقي حدا آخد الموضوع بالمعنى الحرفي! ممكن واحد يقول للتاني- مثلاً- إنه إذا الشغلة الفلانية بتصير بدي أشيلك على ضهري وأمشي فيك على طول السوق وعرضه قدام الناس، لكن وقت بتصير الشغلة الفلانية جدية وحقيقية ما بيشيله على ضهره وبيمشي فيه. بتعرفوا أشو كمان؟ حكاية الشحاطة ذكرتني بشغلة صارت معي، راح أحكي لكم إياها باختصار حتى ما نبعّد عن قصة أبو نادر. مرة أجتنا دعوة لحضور مهرجان للقصة القصيرة (العربية- والتركية) هون في إسطنبول، وكان في أدباء قصاصين من الجانب التركي وضيوف من كل الدول العربية. واحد من الضيوف شاب مغربي طويل وظريف اسمه أنيس، بمجرد ما تعرفت عليه صرنا أصدقاء وكأني منعرف بعضنا من خمسين سنة.


مرة واقفين في بهو الفندق أنا وأنيس، مر فينا شاب من المشاركين العرب واضح إنه معقد ومغرور، نظر إلنا باحتقار وتابع طريقه. سألت أنيس: أيش قصته هادا الشاب؟ فقال لي:
- هادا بيشتغل على هوا مصلحته، لو كان إله معنا مصلحة كان تسطح قدامنا ع الأرض هيك.
وتسطح أنيس قدامي ع الأرض حتى يوضح لي الفكرة!.. وأنا فرطت من الضحك، واللي كانوا موجودين في الأوتيل اندهشوا، وصاروا يتساءلوا إنه ليش هادا الكاتب المحترم الطويل انبطح ع الأرض!

قالت السيدة حنان: عن جد حلوة، هادا صاحبك أنيس متل أبو نادر لما قال لمرته اضربيني بالشحاطة.

قلت: الشي اللي بيلفت الانتباه في شخصية "أبو نادر" إنه لما أفراد الشلة بيدعوه لحضور سهرة عادية بيتوجَّس، وفوراً بيخطر له إنها دعوة (ملغومة)، وإنه في احتمال يكونوا مرتبين له مقلب، فكيف إذا كانت الدعوة لحضور عرس؟! منشان هيك ترك أم نادر ماسكة فردة الشحاطة ماركة "زنوبا" وطلع لعند أفراد الشلة الواقفين في الزقاق قدام بيته، واقترح عليهم يدخلوا لعنده عَ البيت حتى يتشاوروا بالموضوع بهدوء. الهدف من هالدعوة إنه يخلق لنفسه فرصة، ويفكر خلالها بطريقة للتهرب من السفرة بدون ما يزعلوا منه.

الشباب تبع "شلة فتح الله" متعودين يمزحوا مع الست أم نادر، وهي في الحقيقة شخصية ما بتقل ظرف وفكاهة عن زوجها.. وأبو نادر على طول بيمازحها، وبيحترمها، وبيصرح أمام أصدقاؤه بإنه الرجل اللي ما بيحترم زوجته هوي من البهايم الخشاين.

المهم؛ لما أفراد الشلة دخلوا، كانت السيدة أم نادر عم تحط فردة الشحاطة (الزنوبا) جنب الفردة التانية في الخزانة الخشبية. ولما شافتهم رحبت فيهم، وقالت لهم: أهلا وسهلا فيكم. تفضلوا.

قال لها أبو نعيم: أهلين ست أم نادر، أشو قصة الشحاطة؟ كنتي عم تقتلي صرصور؟
ضحكت أم نادر وقالت: من يوم تزوجت هالزلمة نسيت شكل الصراصير، من كتر ما هوي مبربس ما بيخلي بخش زغير في أي مكان في الدار إلا وبيسده، ومن باب الاحتياط بيرش مبيدات في الحمام والتواليت والمطبخ. وبالنسبة للشحاطة صاحبك أبو نادر كان معاهدني إنه إذا في يوم من الأيام بيحضر عرس بده يخليني أضربه بالشحاطة، وهلق لما جيتوا ودعيتوه ع العرس أحس إنكم راح تبقوا ملزقين عليه لحتى تاخدوه معكم، فطلب مني تنفيذ الشرط فوراً، لكن أنا متلما بتعرفوني إنسانة طيبة وبنت أصل.. منشان هيك قلت له: طول بالك يا رجال، إنته لسه ما رحت عالعرس، لما تروح وترجع بالسلامة أنا جاهزة للتنفيذ.

ضحك أفراد شلة فتح الله، وقال أبو دياب:
- طيب يا ست أم نادر، نحن راح نحطك حَكَم بيننا وبين أبو نادر. واللي بتقوليه راح نوافق عليه. أول شي اسأليه لزوجك المحترم، أبو عباد اللي من قرية أم زرزور صديقنا وغالي علينا ولا لأ؟

قال أبو نادر بحدة: يعني وإذا كان صديقنا وغالي علينا؟ أنا إلي مية صديق غاليين علي، معقولة إحضر مية عرس وإتبهدل مية بهدلة كرمال أصدقائي؟

قال أبو عنتر: بس هادا أبو عباد مو متل المية صديق اللي حكيت عنهم حضرتك. يا ست أم نادر أنا بدي إحكي لك القصة من أولها. أخونا أبو عباد لما تزوج من أربعين سنة، تبين إنه زوجته ما بتحمل، بقي عايش معها خمس سنين، وما خلوا طبيب نسائية في حلب أو في إدلب إلا زاروه وعرضوا عليه مشكلة الحمل والخلفة، وما لقوا نتيجة، فاضطر يتزوج وحدة تانية، كمان التانية ما حبلت، وبعد شي عشر سنين تزوج وحدة تالتة، وبالصدفة حملت الزوجة الأولانية! وولدت هادا الولد "عباد"، وبعدما إجا عباد صاروا النسوان التلاتة يحملوا ويجيبوا مع بعضهم، لكن كلهن جابوا بنات، وبقي عباد هوي الصبي الوحيد عند أبوه، وهلق صار عمره تنين وعشرين سنة وأبوه بده يزوجه، بهالحالة مو لازم نروح نحضر العرس ونقوم بالواجب؟!

قالت أم نادر: أنا برأيي إنكم لازم تروحوا وتحضروا العرس. على كل حال أنا راح أعمل لكم كاس شاي، وبعدها منتناقش بالموضوع على رواق. بالإذن.

(للقصة بقية)
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...