الإعلام التربوي وإنقاذ الموسم الدراسي في الجزائر

الإعلام التربوي وإنقاذ الموسم الدراسي في الجزائر

30 ابريل 2020
+ الخط -
لم يسْلَم مجال التربية والتعليم هو الآخر من ارتدادات جائحة كورونا وتداعياتها، حيث أوصدت المؤسسات التربوية والجامعية أبوابها أمام الطلاب، خوفا من انتشار العدوى بينهم، فلا شيء يعلو على صحة الإنسان، ولكن الحجر المنزلي أدخل طلاب مختلف المراحل التعليمية بالجزائر في دوامة الخوف من شبح السنة البيضاء، ما جعل الوزارة الوصية تسارع لإيجاد منافذ نجدة تخرج الطلاب من حالة الاكتئاب التي أقحمهم فيها هذا الظرف الحرج، ومن هذه المنافذ بث برامج تعليمية عبر التلفزيون الرسمي، وكذا الإذاعات المحلية، وعبر المنصات الرقمية، فهل تفلح كل هذه الجهود في احتواء هذه الأزمة التربوية وليدة الوباء العالمي؟

إعلام تربوي مفقود

أدرك القائمون على قطاعي الإعلام والتربية حجم الهوة التي بينهما، والتي ما كان لهم أن يتفطنوا لها لولا هذه الأزمة الوبائية، في وقت أدرك الجميع محورية الإعلام في إدراة تسيير الأزمات.

الفيروس المستجد هذا أيقظ تفكير السلطة والأفراد على حد سواء، اللذين كانا في غفلة عن إنشاء قنوات تعليمية يُعوَّل عليها في الشدائد، كي تكون لَبِنة مهمة للنهوض بالمجال التعليمي في الجزائر، والتأسيس من ثَمّ لتعليم إلكتروني يسير جنبا إلى جنب التعليم التقليدي المعروف في المؤسسات التربوية.


ورغم إقرار الجزائر رفع احتكار السلطة عن المجال السمعي البصري منذ عام 2012، إلا أن الساحة الإعلامية بقيت عقيمة من أي قناة أو إذاعة تربوية، لأن الكل تسابق نحو إنشاء قنوات تبحث عن المعلومة "المحجوبة" عن المواطن، حتى وإن كانت طريقة تأسيس أغلب هذه القنوات خارجة عن السياق القانوني المنظم للقطاع.

قطاع التربية على المحك

من الغرابة بمكان على طفل في منطقة نائية بالكاد حظيت بمدرسة أو جزء من مدرسة، أن يتلقى دروسا عبر شاشة التلفاز، أو عبر الإذاعة، أو عبر قنوات يوتيوب على النت، والتي بالكاد يسمع عنها، وهو يقاوم الفقر المدقع وسط أسر تعيش في زوايا مظلمة من البلاد، حتما تلكم هي الارتجالية في تقرير مصير التلاميذ المجهول في زمن كورونا.

عادة ما تأتي الخطط المستعجلة مرتبكة مفتقرة للاستراتيجية السليمة والمتينة، عشوائية غير محسوبة الحدوث ولا العواقب أيضاً، حتى وإن تمكن التلميذ من تلقي الدروس عبر مختلف هذه الوسائط والوسائل، هو يسأل كيف ومتى سأمْتحن؟ وسط هالة من الضبابية والمخاوف على مستقبله!

بالمقابل نتساءل هل بالإمكان أن تعوض دروس وسائل الاتصال الجماهيري دور "الأستاذ" القائم بالاتصال الشخصي المباشر في العملية التعليمية؟ أي رهان هذا يحدد مصائر أبنائنا.

الأستاذ الذي يفاوض مع كل حكومة جديدة لأجل تسوية مطالبه المهنية والاجتماعية، في ظل امتعاضه المستمر من أجره الشهري المتقاضى، الذي يبدو حسبه زهيدا مقارنة مع جهده اليومي المبذول ومقارنة بقطاعات أخرى، ما أدخل قطاع التربية بالجزائر في احتجاجات وإضرابات تتأجج وتتجدد مع كل موسم دراسي، فلربما ستعيد هذه الأزمة الصحية للأستاذ مكانته التي تليق به.

هل تفكر الدولة في استراتيجية جديدة للتربية والتعليم؟

قد تمنح أزمة كورونا الفرصة للقائمين على قطاع التربية والتعليم في الجزائر لإعطاء بعد عصري عميق في المنظومة التعليمية، التي يصفها أهلها بالهشة والمليئة بالمطبات التي ينبغي التعجيل في إزالتها من على طريق هذا القطاع الحساس، خصوصا أنه عرف تشويها متواصلا خلال السنوات العشرين الماضية.

إن إعطاء نفَس جديد للمنظومة التعليمية في البلاد من شأنه أن يعيد التوازن للمجتمع بكل أطيافه، لأن هوامش الأمان المعرفية على الأجيال القادمة ضعفت وهزلت.

الرؤية الحديثة المرتقبة لنسيج التعليم عليها أن تأخذ في الاعتبار مستجدات الآلية التعليمية عبر العالم، بما في ذلك إدراج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في هذا الميدان، واعتماد الإعلام التربوي كحلقة مهمة في هذه المعادلة، ناهيك عن وضع صمام أمان يحفظ لهذا المجال قواعده تحسبا لزمن الأزمات، فلا يلحق الضرر بالدرجة الأولى بالتلميذ محور العملية التعليمية.
A5302409-CA2D-4BED-A56C-FD00F06C34E2
فوزية بن شرودة

صحافية جزائرية. محررة ومقدمة أخبار، ومنتجة ومقدمة برامج بالإذاعة الجزائرية. حاصلة على جائزة الصحافة الدولية للجوارالإعلامي المقدمة من قبل الاتحاد الأوربي 2015، وجائزة نجمة الإعلام المنظمة من قبل متعامل الهاتف العالمي أوريدو بالجزائر 2017