قرارات في غير محلها

قرارات في غير محلها

28 ابريل 2020
+ الخط -
يتساءَل جابر، وهو الشاب العربي الخليجي الأصل الذي التقيت به في إحدى الأسواق العربية في العاصمة النمساوية، فيينا، بعدما تعارفنا، وهو الطالب المقيم في جامعاتها، ويدرس علم الإدارة والاقتصاد، عن ماهية الأحداث وطبيعتها، التي تستهدف الوطن العربي من محيطه إلى خليجه؟ ومتى ستتوقف كرة اللهب، التي وكما يبدو، ستظل تتدحرج وتأكل الأخضر واليابس، ولم يعد بإمكانها أن تتوقف عن التَّدَحْرُج، لأنها صارت تضرب وبقوّة، وأمامها نيران مرتفعة، وتخلّف وراءها الدمار والخراب، والقتل، والحرمان، والتشرد، والفقر؟

هكذا أصبح حالنا، وأن هذه الكرة، ستستمر في قضمها وسرعتها، وحدها تواجه هذا الطوفان من المسائل التي تضاربت الرؤية، والتحاليل حول ما أثاره الربيع العربي، والشر المستطير الذي حل بالأمة العربية.

وقال: صحيح أنَّ هناك من هم على قدر كبير من القوّة والإمكانية، ولديهم أدوات التسلّح القادر على صدّ أيّ تدخّل داخلي أو حتى خارجي، واعترافهم بالأحداث، إلّا أنهم لن يخلصوا من هذا الشرّ الذي دقّ أطنابه في كل مكان.


وبعدما هدأت سريرته، تحدث مبرراً الأحداث ومجرياتها، على أنّها صارت تشكل عوامل ثقل كبيرة، وأنه يلزمها وقفة صريحة مع الذات، مع هؤلاء الذين كانت لهم اليد الطولى في إثارتها، ولم يكن بالإمكان بعد أن يطفئوا نارها تخوفاً من أن تُلحق بهم الضرر، وهذا ما يمكن أن يكون.

واشتد غضبه، متمماً حديثه: الكثير من الحالات شابتها العديد من الاحتمالات، وهذه الاحتمالات أواخرها ما أصبح بحاجة إلى النظر إلى الحل الذي يوقف معه هذه المشكلة التي، وكما يبدو، طالت وستطول والخاسر فيها المواطن العربي الذي تحمّل على مضض تبعاتها جرّاء نشوب هذه الأحداث الضاربة في العُمق! نعم، تحمّل ويلاتها، وخسر الكثير جرّاء نشوبها.

خسر واقع حياة، وخسر الحياة ذاتها، والعمل، وفقد الحرية وتاه، وحتى معاشرة الناس صارت في طي الكتمان، ولم يعد بمقدوره أن يعود إلى الوراء، بل تراه يتحسّر ألماً وبشدّة على كل ما فاته من أيام. أيام جميلة، ونادرة بأحداثها، وكان يعيشها بشوق وبرغبة، أما اليوم فإنّه يصعب عليه الاختيار، وظل مرغماً على الامتثال لرؤية من هم أدناه مرتبةً وعلماً وخبرة ومعرفة.

ويضيف جابر: لقد تحوّلت أحوال هؤلاء، الذين غيّر الزمن من ملامحهم ونظراتهم، وجاؤوا يحاولون تطبيق مزاعم دينية، وإلغاء كل ما هو جميل، وسار في نظر أبنائنا، وحدهم العارفون بالحياة الدنيا، ولا غير سواهم!

وتطبيقهم للكثير من الحالات، والتي لم تكن في عرف أهل الوطن الأم من ملجأ إلّا هم، وأقروا مبادئ ما أنزل الله بها من سلطان، وطبّقوا في بعض المدن التي حولوها إلى ولايات تتبع لهذه الجهة أو تلك، حوّلوها وتحت مسمّيات مختلفة، وغيروا الكثير من أسمائها، وارتبطت بشعارات لم ترق لأحد، واتخذوا قرارات لم يسبق للمواطن العربي أن سمع بها، أو قرأ عنها، وإنما مجرد خطوات تعجيزية الغرض منها هو أن يكون لهذه المجموعات رأيها، ويجب تطبيقه، وإن كان يثير في المجتمع أراء تختلف عن هذا الرأي أو ذاك، والذي لا يمكن بحال أن يروق حتى للإنسان الساذج، فكيف يمكن أن يأخذ به ذاك المتعلّم، لا سيما أنه تحولت مجمل القرارات التي اتخذت إلى تدخل سافر في الشؤون الداخلية للشخص، وهذا ما أثار حفيظة الناس جميعاً.

ويتابع حديثه بالقول: ما كان وما سيكون فيه إجحاف بحق المواطن العربي، الذي ما زال يعاني مزيداً من الفقر والفاقة والحرمان، فكيف يمكن أن نقنعه بكل ما يجري في هذا العالم الفاني، ما دام أنه ظل يعاني الكثير من المعاناة والعيش في فقر مدقع.

وبدلاً من أن نخفّف عنه عبء الحياة ومتطلباتها، ونؤمّن له جزءاً من احتياجاته المتواضعة ومطالبه، وأوّلها ضرورة توافر الماء والكهرباء، وهذه من الأشياء البسيطة جداً، قياساً بالتطور المتلاحق الذي يشهده العالم اليوم، فكيف يمكنهم أن يحققوا ما يتخذونه من قرارات ساخنة، فيها الكثير من الجهل وقلّة الحيلة، بحق المواطن العربي البسيط، ما دام أنهم يعيشون في هذا الكوكب الآخر، وكل ما فيه من ريبة وخوف وجهل وحرمان من أبسط مقوّمات العيش، بل إنهم كانوا يريدون أن يعيدوا هذا الكون، وكما يبدو لهم، إلى بوابات الجهل والخرافات، وأن يفرضوا عليه أساليب واجتهادات خاصة فيها الكثير من القهر، والتسلط، وهذا ما كان!
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.