خيبة أمل

خيبة أمل

27 ابريل 2020
+ الخط -
أشعر بحاجة إلى الكتابة وأنا أقف على مفترق طرقٍ. تخلّيتُ عن أحلامي قبل زمنٍ. أدرك هذا الأمر، لكنّني لم أمتلك شجاعة الاعتراف به من قبل. أعيشُ في وطنٍ يتهاوى. في مكانٍ جرّدني من أحلامي وطموحاتي، في وطنٍ علّمني أن أحمد الله لأنني أتنفّس، وكأنّ أقصى طموحاتنا باتت أن نتنفس فقط لا غير.

لا أقول إنني غير ممتنة على نعمة العيش. أبداً. لكن ماذا عن أحلامي وطموحاتي؟ ماذا عن أمنيتي في ترك بصمة في هذا العالم قبل الرحيل الأخير؟

يُقال إنّ المصائب لا تأتي فرادى. نعيش في لبنان اليوم كمّاً هائلاً من المصائب، حتّى أنّنا توقفنا عن إحصائها. المضحك أنّ مصيبة كورونا لن تكون أقسى ما حلّ وسيحلّ بنا في الأشهر الأخيرة، والأيّام المقبلة.


نتلقّى الضربات الموجعة الواحدة تلو الأخرى. نعجز عن التقاط أنفاسِنا، وكأنّنا في سباق لا نهاية له. نسابق الخيبات، ثمّ نجد أننا فيها غارقون. نسابق الأيام، فتتحوّل بغمضة عين إلى أسابيع، فأشهر، فسنوات ضائعة.

يقولون إنّنا كطائر الفينيق، ذلك الطائر الذي ينبعث مجدداً من رماده، لكنّنا تعبنا. تكوينا النيران نفسها، مرّة تلو الأخرى، ثمّ ننهض. لكنّنا تعبنا. لم نعد نريد نفض الرماد عنّا، والنهوض مجدداً. لقد تعبنا. استسلمنا. اعتدنا على الخيبات. تآلفنا معها. تأقلمنا مع تقلّباتنا. وضعنا أحلامنا ومستقبلنا جانباً، في انتظار الضربة التالية.

نشهد اليوم، نحن جيل التسعينيات، انهيار مستقبلنا. نحن المقبلون على عقدنا الثالث، ومنّا من بلغه أصلاً. هناك من خسر عمله، ومن ضاع كلّ ما حاول تحقيقه. هناك من يقف عاجزاً، ومن يقف خائباً، ومن يقف مكسوراً، بانتظار الضربة القاضية. لم نعد نعلم من أين نتلقّى الضربات، وبتنا أعجز من أن نردّها. هناك منّا من يقف مصدوماً، حائراً، متسائلاً: لماذا يدفع مستقبلنا ثمن أخطاء ماضٍ لم نكن فيه موجودين؟

حتّى زمن قريب، كنتُ أرفض أن أترك وطني. أحبّ أرضي، وأحبّ طبيعتها. لي في كلّ زاوية من هذا الوطن ذكرى. فيه جميع من أحبّ. في مساحته الصغيرة يُختصر عمري وذكرياتي.

لم أشعر يوماً برغبةٍ في الرحيل. لبنانيّة القلب والهوى أنا، لكنّني اليوم فقدتُ الأمل. فقدتُ القدرة على التمسّك بأرضٍ دفنتُ فيها رغبتي في الحلم. أودّ الرحيل. لقد اكتفيت..

دلالات