باب عمر باشا (1/9)

باب عمر باشا (1/9)

05 مارس 2020
+ الخط -
كانت إيلينا اليونانية في منتهى الجمال والأناقة بفستانها الأبيض والكحلي، الذي يشبه ملابس البحارة. يكسو وجهَها المرمري الجميل احمرارٌ طفيف، وكانت عيناها العسليتان الساحرتان تقولان أشياء كثيرة بخجل، وشعرها الكستنائي الطويل يصل حتى خصرها النحيل. وكادت تطير من الفرح للذهاب إلى السينما. وكان حسين يعتقد أنها سعيدة بالذهاب معه إلى السينما.

جلست إيلينا في أول الصف، وجلس حسين إلى يسارها، وحاول أن يضع ذراعه اليمنى على كتفها، فقالت: ماذا تفعل؟ ضع ذراعك جانباً.
تجمّد حسين في مجلسه لا يتكلم ولا يتحرك، فقد أفحمته إيلينا منذ البداية، وفهم أن عليه مشاهدة الفيلم فقط.

تساءلت إيلينا: هل شاهدت الوسادة الخالية من قبل؟

حسين مقتضباً، شبه غاضب: لا.
إيلينا: لماذا الغضب إذاً؟ هذا فيلم جميل، وهذه ثالث مرة أشاهده، وعليك الاستمتاع به.
حسين وقد فقد الأمل في لقاء غرامي مع هذه الإيلينا: ربنا يسهّل.

دارت أحداث الفيلم سريعة، والتصقت إيلينا بحسين، لشعورها بالبرد بسبب التكييف، وأصبح حسين سعيداً جداً بهذا التكييف البارد.

بدأ عبد الحليم يغني بحزن: "تخونوه وعمره ما خانكم ولا اشتكى منكم، تبيعوه وعمره ما باعكم ولا انشغل عنكم.. قلبي.. قلبي ليه تخونوه"...

شعر حسين بأنفاس إيلينا الحارّة ودموعها المنهمرة على خده الأيمن في أثناء الأغنية، وهي تهمس إليه: هل معك منديل؟ فقد تبللت كل مناديلي. أعطاها حسين منديله لتجفف دموعها المنهمرة، وهو يتعجب منها، ويتساءل عمّن خانها.

شعر حسين، وهو سعيد، بأنفاس إيلينا الحارّة تقترب من خده الأيمن مرة أخرى. "شكراً يا حسين"، وقبّلته قبلة صغيرة سريعة على خده الأيمن. هذه القبلة الصغيرة السريعة كانت بالنسبة إلى حسين بحجم الدنيا السعيدة بأكملها، فقد شعر حسين بحرارة شفتَي إيلينا الملتهبة ولمستها الرقيقة الحانية.

خرج حسين وإيلينا من السينما عائدَين إلى منزلهما. كانا يسكنان في ذات المبنى القديم في باب عمر باشا أحد أحياء الإسكندرية القديمة، والمختلطة بين أولاد العرب وغيرهم من يونانيين وأرمن وشوام وإيطاليين، وغيرهم من الأوروبيين من الطبقة المتوسطة والفقيرة.

إيلينا سعيدة وهي تهمس بغناء: "أسمر يا أسمراني، مين أسّاك عليّا... لو ترضى بهواني، برضه إنت الي ليا".

سأل حسين مسروراً: هل هذه الأغنية لي؟
فأجابت: وهل أنت أسمر؟ وابتسمت ابتسامة خبيثة، وهي تدير وجهها بعيداً عن حسين.

للقصة بقية...

B255BE3A-BC30-417B-932F-104B8C087B7D
حسن الحداد

كاتب مصري مقيم في أميركا

مدونات أخرى