وعي الشعب جزء مما كشف عنه كورونا

وعي الشعب جزء مما كشف عنه كورونا

31 مارس 2020
+ الخط -
ربُّ العالمين عندما جعل الابتلاء من سنن الحياة البشرية حدّد جملة من المعاني والغايات منه، ممكن تلخيصها في إخراج مكنون الإنسان وما تكون عليه حقيقته، والثواب والعقاب يبقيان معلقان بذلك، هذا على المستوى الشخصي، بمعنى أن التقييم يكون فردياً وإن كان المردود يأخذ شكلاً جماعياً، لكن طريقة التعامل تشكل جزءاً آخر مما يكون عليه الإنسان، ليس أمام ربه فقط بل أمام وفي مواجهة أبناء قومه ووطنه، أو ما يعرف بمعدِن الإنسان، الذي يظهر في الشدائد.

لا شكّ في أنَّ الوباء عبر التاريخ كان يأتي بين فترة وأخرى في تباين من حيث الشدة، وهنا ليس مقصدنا التركيز على أداء السلطات، بل المجتمع. بالاقتصار على نماذج من العراق، لا يبدو أن الشارع العراقي أعطى صورة إيجابية أو جميلة في جزء من ممارساته.

1- إن الزيارة التي أداها عدد ليس بقليل إلى مدينة الكاظمية إحياءً لذكرى ولادة الإمام موسى الكاظم كانت إشارة غير جيدة، لم تكن متناغمة لا مع التاريخ الإسلامي والتعامل مع الأوبئة، ولا مع التوجيهات النبوية في عمومها، ولا مع الإجراءات الاحترازية التي قررت السلطات العراقية اعتمادها، وما كان أكثر حيرة هي دعوة إحدى الزائرات وزائرين أيضاً للإيطاليين والصينيين إلى أنهم إن أتوا إلى الزيارة سيشفون؛ هنا نحن بصدد التقييم الشعبي وليس مستوى التدين لدى الناس. 
السؤال الذي يفرض نفسه هنا ما هو الحكم الشرعي لمن يتسبب بنشر الوباء بين الأصحاء بخرقه الإجراءات المعتمدة؟ 


2- الفرق الطبية التي تخرج من المنزل، وتترك العائلة، في مخاطرة حقيقية تحيط بالكادر الطبي والشرطة أيضاً، ألا يستحقون الاحترام والتقدير الكاملين؟ كان مقززاً جداً منظر تهديد الشاب الساكن في مدينة البصرة للفريق الطبي وإرسال تهديدات مباشرة إلى الشرطة في حال الاقتراب من منزلهم بنية نقل أحد أفراد العائلة المصابين إلى المستشفى.

في الدول الأخرى يتوسّلون للاهتمام بأقاربهم من المصابين أو المشتبه في إصابتهم. في نيويورك أحد الأطباء قال إننا نتلقى يومياً حوالي 6000 اتصال، كلها من أجل تنفيذ الإجراءات الطبية، لكن في العراق الفريق الطبي بسيارة إسعاف خاصة يدق باب المنزل، والبطل الوقواقي يهدد برميهم بالكلاشنكوف! هذا دليل أيضاً على فشل المؤسسات الحكومية المدرسية والأهلية في بث الوعي الجماعي لدى الأجيال الجديدة.

3- إن الإصابة بالفيروس ليست نقيصة في المصاب، المتوفي، أو من ينعم الله عليهم بالشفاء، يعني أنه ليس من العار الإصابة بالوباء، هذا أمر خارج الإرادة البشرية، وخارج إرادته من حيث قوته ومن حيث رغبته.

رأيت منشوراً لأحد الشباب الذي يبدو مذعوراً لأنه وضع تحت المراقبة لمدة يومين، ظناً أنه خالط أحداً آخر قادماً من إيران، ويبدو أن الخبر كان كاذباً، الشاب المذعور لم يأت خوفه من أنه مصاب أم لا، بل رأى أن ذلك يشكل نقصاً في شخصيته، وتلويثاً له! لماذا؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف يكون المنظور الإنساني للمصابين.

هل هم أقل من البشر؟ هل يحملون عاراً؟ والغريب أننا جميعاً دائماً نذكر كيف كان التعامل مع مرض نبي الله أيوب؟ وكيف كان التعاطي معه؟ ثم هل من أحد الآن يقول إنه كان وسخاً ملوثاً؟ هل من أحد يقول إن الإصابة القاسية جداً لنبي الله أيوب كانت سبباً في إنزال مكانته في المجتمع؟

4- ما حدث في مدينة نهروان من منع الأهالي وكذلك في الإسكندرية من دفن جثث الأموات بكورونا في المقابر الطبيعية للمسلمين كان خطأ فادحاً، لو كان الطب يقول بذلك لذهبنا جميعنا بهذا الاتجاه، لكن الطب يقول شيئاً آخر، وعجز الحكومة كان غريباً، مع أنه ليس بجديد.

إن المعترضين بفعلهم أبانوا عن عدم تمتعهم بالحس الإنساني في حده الأدنى، إذ لم يكن هناك تقدير لمشاعر ذويهم، فقد كان الأمر بسيطاً، وذلك بالعودة إلى الطب، ثم العودة إلى الفقه الإسلامي، والأمر ينتهي، لكن الشدَّ والجذب الحاصلين كانا محل استغراب.