الإعلام العلمي وكورونا

الإعلام العلمي وكورونا

30 مارس 2020
+ الخط -
يقولون في الأمثال "في الليلة الظلماء يُفتقد البدر"، والبدر الذي يفتقده الناس في ظل جائحة كورونا، هو الإعلامي العلمي الذي يبسط الأخبار والمعلومات العلمية ويقدمها للجمهور بطريقة مشوقة وجذابة.

والحاجة للإعلام العلمي تزداد في مواجهة الحالات الطارئة وما يصاحبها من هلع وذعر، وانتشار واسع للشائعات بين الناس، وهو ما صاحب جائحة كورونا منذ بداية تفشي الفيروس في الصين وانتشاره على نطاق واسع، واستحواذه على اهتمام عالمي ربما يكون غير مسبوق في التاريخ الإنساني.

وسر الاهتمام الواسع بفيروس كورونا ليس الخطورة التي يمثلها على الصحة، وإنما الإجراءات التي اتخذتها الكثير من دول العالم في مواجهته، وتأثيره المباشر على حياة غالبية سكان الكرة الأرضية، وحتى الأطفال الصغار صارت عندهم معرفة بهذا الفيروس.

وفي ظل الانتشارالواسع لكورونا وتهديده لحياة ملايين البشر، كانت الحاجة الملحة لمعرفة المعلومات العلمية الصحيحة المتعلقة بالفيروس وطرق انتشاره ووسائل مواجهته ومقاومته، ولاحقًا المعلومات المتعلقة بإنتاج لقاحات للفيروس والتجارب التي تجرى على بعض الأدوية لمعالجته أو الحد من آثاره.

والإعلام العلمي يمثل حلقة الوصل بين فئتين: الأولى هي فئة المتخصصين والعلماء والباحثين، والفئة الثانية هي الجمهور المهتم بمعرفة آراء وأنشطة الفئة الأولى وجهودها وما تنتجه من علم ومعرفة وحلول للمشكلات التي تواجه الناس.


والإعلام العلمي من المجالات التي لا يمكن إغفالها أو الاستغناء عنها؛ لأن الإعلام العلمي هو المسؤول عن توعية وتثقيف الجماهير، والمساهمة في توظيف المنجزات العلمية في إدارة جميع شؤون الحياة.

والإعلام العلمي يهتم بالظواهر الكونية والحقائق العلمية التي تقوي علاقة الفرد المسلم بربه وتزيد في إيمانه، ويتناول قضايا البيئة والمخاطر التي تتعرض لها وطرق الحد من تأثيراتها، ويتحدث عن القضايا الصحية وتأثيرها على الناس، وهي أمور يجب أن يهتم بها الجميع.

والجائحة الحالية التي لا تزال في طور الانتشار شهدت محاولات وجهدا مقدرا من قبل بعض الصحافيين في إيصال المعلومات والحقائق العلمية حول ذلك الفيروس للجماهير، باللجوء لأهل الاختصاص وأصحاب الخبرة والرجوع للمصادر الموثوقة، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية، بينما سعى عدد كبير من الإعلاميين المحسوبين على السلطة في عدد من الدول لنشر الخرافات والشائعات والتهوين من شأن الفيروس، وهي أمور أوردت الناس في تلك الدول موارد التهلكة.

وخلال هذه الجائحة لمسنا جهودًا فردية ساهم أصحابها في نشر تصريحات لأطباء ومتخصصين في المجال الطبي ومجال البحوث البيولوجية حول طرق الوقاية من الإصابة بهذا الفيروس، والسعي لإيجاد أمصال أو لقاحات أو أدوية لمعالجة المصابين به.

والإعلام العلمي يواجه عقبات كثيرة في المجتمعات العربية، ويأتي في مقدمتها الجهل وارتفاع نسبة الأمية، والإهمال المتعمد للعلماء والباحثين وتشويه صورتهم في وسائل الإعلام، وخلق قدوات زائفة تتعلق بها الجماهير وخاصة فئة الشباب، وخلق قطيعة بين العلماء والجماهير، وصناعة حواجز نفسية بين الجماهير وبين كل ما ينتمي للعلم من أمور بحجة أنها صعبة ومعقدة.

والدور الذي يقوم به الإعلام العلمي هو كسر الحاجز النفسي المصطنع بين الجماهير والعلم، فهناك من أراد بسوء نية أن يبعد الجماهير العربية عن الأمور العلمية، ولهؤلاء نقول إن تبسيط العلوم هو المدخل الجيد لجذب الجماهير، والأطفال على وجه الخصوص، نحو حب العلوم، وحتى أعقد القضايا العلمية يمكن تبسيطها وتقديمها للجماهير بأسلوب شائق وجذاب. والأمر الذي ينبغي أن يشغلنا وأن نوليه قدرًا كبيرًا من الاهتمام في مجتمعاتنا العربية هو البحث عن وسائل للنهوض بالإعلام العلمي الذي يمثل أحد أركان صرح العلم والمعرفة الذي ينبغي أن نشيده حتى ننهض ونتقدم، ومن هذه الوسائل:

أولًا: تشجع الشباب على الاهتمام بالبرامج العلمية وعلى التخصص في مجال الإعلام العلمي، وهو من المجالات الواعدة في العالم العربي.

ثانيًا: حث أساتذة الجامعات والمتخصصين في المجالات العلمية المختلفة على المشاركة في تحرير الصفحات العلمية في الصحف والمجلات، والمشاركة في البرامج العلمية على القنوات الفضائية.

ثالثًا: فتح أقسام للصحافة العلمية في كليات الإعلام بالجامعات العربية، وتشجيع الشباب على الالتحاق بها، وتأهيلهم للقيام بدور المحرر العلمي في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية.

رابعًا: أن تخصص الصحف والمجلات أبوابًا ثابتة للأخبار العلمية، وأن تهتم الإذاعات والقنوات الفضائية بالبرامج العلمية المبسطة التي تستهدف الناشئة وتؤسس لبناء جيل من المهتمين بالعلوم المختلفة.

خامسًا: دعم المؤسسات والكيانات التي تهتم بالإعلام والنشر العلمي، والمشاركة في التعريف بها وبإنتاجها لتحقق المزيد من الانتشار بين الجماهير، والعمل على استقطاب أكبر عدد ممكن من المهتمين بالإعلام العلمي.

سادسًا: السعي من أجل إنهاء القطيعة بين العلماء والجماهير في العالم العربي، وخلق نوع من التواصل بينهم، والعمل على إيجاد وصناعة قدوات علمية في المجتمع تكون بديلًا للقدوات الزائفة التي طغت على الساحة العربية.

وهذه الأمور مجتمعة من شأنها أن تخلق اهتمامًا لدى الجماهير العربية بالإعلام العلمي وبالدور الذي يقوم به في التوعية والتثقيف والنهوض بالمجتمعات. ومن حسنات جائحة كورونا أنها أعادت الاهتمام للإعلام العلمي، وأظهرت الحاجة الماسة لتخريج متخصصين في الإعلام العلمي، الذي يمثل حلقة الوصل بين العلماء والجمهور، ويُساهم في توعية المجتمعات، وبالوعي تنهض الأمم وتتقدم.