منافع كورونا!

منافع كورونا!

26 مارس 2020
+ الخط -
يقولون في الأمثال "رب ضارة نافعة"، وهذا المثل ينطبق على جائحة كورونا التي أصابت الكثيرين حول العالم بالذعر والهلع، جراء الانتشار الواسع لذلك الكائن المجهري، وتهديده لأرواح الآلاف من الأشخاص. وعلى الرغم من المضار العديدة التي خلفها، إلا أن هناك الكثير من الفوائد والدروس والخبرات التي يمكن الخروج بها من تلك الجائحة.

وانتشار ذلك الفيروس يُعد فرصة لكي يراجع الإنسان نفسه، ويعرف حجمه الحقيقي في هذا الكون، وأنه مخلوق ضعيف وليس سيدًا للكون.

وهو فرصة كذلك لتجديد الإيمان والثقة بالله عز وجل، والتوكل عليه والرضا والتسليم بقضائه. يقول الله عز وجل: "فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ"، سورة الأنعام: 43.

والتغيير الذي أحدثه ذلك الفيروس في نمط حياة الناس حول العالم، فرصة للوقوف على حجم النعم التي يعيش فيها الكثيرون ولا يشعرون بقيمتها، وهو فرصة لشكر المنعم وتقدير النعمة حتى تدوم وتزداد. يقول الله عز وجل: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"، سورة إبراهيم: 7.

وهذا الفيروس أعاد الناس من المسلمين وغيرهم رغمًا عنهم إلى الباب الأول من كتب الفقه الإسلامي، وهو باب الطهارة الذي يستهزئ به الملحدون ويتناولونه بالسخرية عند مهاجمتهم للإسلام وشرائعه.

ولمواجهة التداعيات الاقتصادية لكورونا، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحافي، أن بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة إلى صفر بالمائة، وهو ما يعني عمليًا إلغاء الربا الذي حرمته الشريعة الإسلامية، وتوعد الله آكليه بالحرب. يقول الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ". سورة البقرة: 278-279.


ومن فوائد ذلك الفيروس أنه أتاح الفرصة لكوكب الأرض المنكوب لكي يلتقط أنفاسه، ويتخلص من جزء - ولو كان يسيرًا - من التلوث نتيجة الأنشطة الإنسانية المدمرة، وهو فرصة لتجدد الموارد الطبيعية التي يستخدمها الإنسان يوميًا في الإنتاج والاستهلاك.

والحجر المنزلي الذي فرضه ذلك الفيروس على الناس يُعد فرصة لاختبار وتقوية العلاقات الأسرية، التي طغى عليها نمط الحياة المعاصر، ووسائل التواصل الاجتماعي التي بعدت القريب وقربت البعيد.

والانتشار الواسع لذلك الفيروس ساهم في نشر الوعي بين أفراد المجتمع، خاصة المتعلق بالجانب الصحي والنظافة الشخصية، وعزز من جهود المصلحين في تحصين المجتمعات بالعلم والمعرفة لمواجهة الإشاعات والخرافات.

وذلك الكائن المجهري أبرز أهمية معرفة الأوضاع الصحية، وضرورة الأخذ بسنن الله الكونية، ومنها اتخاذ الاحتياطات اللازمة التي تمنع انتشار الفيروسات ونقل العدوى للآخرين. يقول الدكتور مصطفى محمود - رحمه الله: "إذا نزل مؤمن وكافر إلى البحر فلا ينجو إلا من تعلم السباحة، فالله لا يحابي الجهلاء".

وظهور ذلك الفيروس وانتشاره العابر للحدود كان بمثابة اختبار للنظام الصحي في دول العالم، وأظهر هشاشة الأوضاع الصحية في عدد من دول العالم، خاصة الدول العربية والأنظمة الاستبدادية التي لا تهتم بالإنسان، فقد تبين النقص الحاد في عدد الأسرة في المستشفيات العامة والخاصة، وتضاعف عدد السكان لكل طبيب مقارنة بالمتوسط العالمي.

والانتشار الواسع لكورونا كان اختبارًا للمجتمعات الإنسانية، وأظهر أسوأ أو أجمل ما فيها، فقد ظهر جشع وطمع البعض سواء من ناحية المستهلكين أو من قبل التجار، فقد هرع الناس في بعض الدول إلى تخزين كميات كبيرة من السلع الغذائية والمواد المطهرة. واستغل بعض التجار الأزمة لاحتكار بعض السلع ورفع أسعار سلع أخرى كالمطهرات وأدوات الوقاية.

وفي مقابل ذلك الجشع والطمع، ظهر التعاون والتكاتف في دول أخرى بمراعاة ظروف المتضرريين من تداعيات فيروس كورونا، وتقديم المساعدات للمتضررين من انتشار الفيروس.

وانتشار ذلك الفيروس كان فرصة للتدرب على مواجهة الأزمات، ووضع الخطط الاستراتيجية لمواجهتها، والاستعداد الجيد للحالات الطارئة في المستقبل.

وفيروس كورونا أظهر أهمية الصحة النفسية في مواجهة حالات الذعر والهلع التي أصابت الكثيرين حول العالم، وأظهر كذلك أهمية الاطمئنان وعدم الفزع في مواجهة الأزمات، ومساعدة الآخرين على تجاوزها.

والحجر المنزلي الذي فرضه كورونا يُعد فرصة ذهبية للقراءة وبناء علاقة جيدة مع الكتب، فلدى الكثير من الناس مكتبات وكتب لم تتح الفرصة أو الوقت لقراءتها، وهو كذلك فرصة للتعلم عن بعد، وإدراك الجيل الحالي من طلاب المدارس والجامعات أن هناك استخدامات أخرى للتقنيات الحديثة غير الترفيه والتواصل مع الآخرين.

والوضع الحالي أظهر كذلك أهمية التدريب عن بعد، وعرف الكثيرين بالبرامج والتطبيقات التي يمكن توظيفها واستخدامها في تقديم الدورات التدريبية للمستفيدين عن طريق الإنترنت.

ومن حسنات فيروس كورونا أنه أعاد الاهتمام للعلماء والباحثين وأدى إلى تواري التافهين والتافهات عن الأنظار ولو بصفة مؤقتة.

والاهتمام بالعلماء وتشجيع البحث العلمي ضرورة في المجتمعات التي تسعى من أجل الرقي والتقدم؛ لأنه يوفر الحلول العملية الناجحة للكثير من المشكلات التي تواجه الإنسان وخاصة الصحية منها، وفي هذه الأزمة ومثيلاتها تتجه أنظار الناس للباحثين والعلماء بحثًا عن حلول يعلمون يقينًا أنهم لن يجدوها عند المشاهير من لاعبي الكرة والفنانين، وفي ذلك عبرة للمعتبرين. وفي الختام نسأل الله العفو والعافية والسلامة للجميع، ودمتم سالمين.

دلالات