قرأت لك: كيف نحصل دائماً على ما نريد (1)

قرأت لك: كيف نحصل دائماً على ما نريد (1)

25 مارس 2020
+ الخط -
قبل خمس سنوات، نشر نجم الكوميديا الأميركي، ستيف هارفي، كتابه الثالث في عالم الحياة الاجتماعية، حمل الكتاب عنوانًا يحتاج شيئًا من التفصيل، "كيف نحصل دائمًا على ما نريد"، يراه بعضهم مغرقًا في التفاؤل، ولا يحق لنا التفاؤل اليوم ونحن في غمرة كورونا! ويراه آخرون دندنة على وتر رائج، وفاصل جديد من كتب التنمية البشرية بكليشيهاتها المملة!

لكن هارفي يشرح - في طيات كتابه - من خلال خبرته الشخصية، وسقطاته أمام تحديات الحياة، ثم استجماعه قواه مرة بعد أخرى، وصموده في وجه العواصف على تنوعها قوةً وتتابعها كثرةً. إذن الرجل يجزم، وفق ما وصل إليه من مجد بعدما لعق الصبر سنين عددا، يؤطر الكيفية الفعالة في حالته هو، ثم يعطف بعدها بكلمة أخرى أضفت على العنوان طعمًا حريفًا ورسمت علامات استفهام عدة؛ إنها مفردة (دائمًا).

ونلاحظ قبل (دائمًا) كلمة نحصل بما تحمله من جماعية الأداء، لم يعد العزف المنفرد مجديًا في مجالات كثيرة، والألعاب الجماعية أكثر جماهيرية - غالبًا - من الفردية. دائمًا هنا لا تفيد الحتمية، بل تفيد الأمل في تحقق ما تريده إذا ما واظبت على النصائح المذكورة، وهذه نقطة ضرورية في مسألة تتبع الأهداف والسعي وراء الأحلام. الكلمتان الأخيرتان في العنوان (ما نريد) للدلالة على العموم والشمول، ويدندن هارفي على العلاقة التلازمية بين الإيمان بالله أولًا ثم بقدراتك ومواصلة السعي، وعندها ستُفتح أمامك سبل لا تتخيلها.

إذن، لا تعوّل على العنوان وتترك المضمون، حاول ما استطعت وفي كل اتجاه، أنت لا تعلم أيّ بابٍ سيرحب بك، لكن لا تتخاذل بدعوى أنك تطرق بابًا بابا. إن أفضل من يصف لك الظلام شخصٌ خرج للتو منه، عاش تفاصيله الحالكة وعانى مرارة التخبط، شخص لا يخجل من ماضيه، لا يرى في نفسه ملاكًا ولا قديسًا، يعرض بضاعته حابلها بنابلها، لكنه ينصحك بألا تكرر هفواته أو سقطاته.


من هؤلاء، هذا الفتى الفقير - في كليفلاند بولاية أوهايو - بملابسه المتواضعة، ومشاكله في النطق وكثرة تلعثمه والتأتأة، عاش مشرّدًا، ترك عمله في خطوط تجميع سيارات فورد، لم يفلح في لعبة الملاكمة ونصحوه بالإقلاع عن رياضة تسلق الجبال، فشل في تأمين منزل لعائلته، وترتب على ذلك طلاقه، ثم تزوّج للمرة الثانية. حين دخل عالم الكوميديا (عروض ستاند آب)، خسر أكثر الجولات التي خاضها، وفاز أول مرةٍ في عروض الهواة؛ فلم يصدق أنه حصل للتو على 50 دولارًا بأكملها!

اليوم، يملك الشخص نفسه طائرة خاصة، يعيش - سعيدًا - مع وزجته وأطفاله السبعة، وتقدّم مؤسسته 10 ملايين دولار منحًا دراسية لعشرة آلاف طالب، ويخطط لمساعدة قارة أفريقيا، ويواصل نجاحاته على أكثر من مستوى. في الوقت نفسه، قدّم برامج "شوتايم آت ذا أبوللو"، "مي آند ذا بويز"، ثم "ستيف هارفي شو"، وسبق أن قدّم برنامج "Celebration of Gospel" على مدى 13 عامًا.

بعد نجاح برنامجه المسائي "مشاحنات عائلية Family Fued"، عرضت عليه شبكات تلفزيونية أن يقدّم برنامجًا صباحيًا، فظهر للنور البرنامج الصباحي Steve Harvey Morning Show، وألَّف ثلاثة كتب لاقت رواجًا واسعًا؛ الأول "تصرَّفي كسيدة وفكري كرجل"، والثاني "أسرار الرجال"، والثالث ما تقرأ مراجعته الآن "كيف نحصل دائمًا على ما نريد".

يهمس في أذنك مطوّلًا "الفشل هو ذلك الجزء الذي لا يستهان به من النجاح. ليتنا نتمكن من إدراك أهمية الفشل كحافز لتحقيق النجاح، لا يمكنك أن تفوز ما لم تذق طعم الخسارة"، ثم يؤكد عن قناعة "أنا لا أنظر إلى الفشل على أنه فشل، إنما أعدّه تجربةً قيّمة مكتسبة، منحتني فرصةً لمعرفة أن تعلُّم ما لا تفعله لا يقل أهمية عن تعلّم ما تفعله".

في إطار الهلع المسيطر على دول العالم إزاء فيروس كورونا (كوفيد-19)، يخرج الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، قائلًا "نحن في حاجة للصلاة والدعاء"، وعند قراءتك لكتاب هارفي ستعرف أنه رجل لم يخلع عباءة الإيمان، لا يتحرج من الحديث عن عبادته وصلواته ودعائه؛ فقوة الإيمان أقوى من كل قوة، وثقة العاقل بربه تفوق ثقته بنفسه وبكل ما حوله؛ فـ"إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى/ فأول ما يقضي عليه اجتهاده".

جاء كتاب هارفي في مقدمة وأربعة أقسام (أبواب)؛ كفى.. لا أريد سماع المزيد، اكتشاف موهبتك والعمل على تنميتها وصقلها، استثمار موهبتك إلى أقصى حد، وبناء إرثك الشخصي. يتوزع القسم الأول على ثلاثة أجزاء؛ أنا سئم من نفسي، الخوف والفشل، وانزع الغطاء عن فم الجرّة.

أما القسم الثاني فيضم فصول العلامة الفاصلة بين الاحتضار والتضحية في سبيل تحقيق حلمك، ليس العمل الذي تقوم به لقاء أجر بل الرسالة التي خلقت لأدائها، التعرف إلى موهبتك ووضعها في السكة الصحيحة، فهم طبيعة تكوينك الشخصي، تسلق الجبل للوصول إلى قمة الحلم، عليك أن تشاهد كي تصدق، رجل يجر عربة بحبل، ليس هناك رجلٌ عصامي.

بينما يحوي القسم الثالث فصولًا ثلاثة؛ حكاية الشريط، لا تخش أبدًا من إعادة ابتكار ذاتك، قوة الرفض. وفي القسم الرابع، نطالع فصول التخلص من مبغضيك من خلال النجاح، التوازن السحري للحياة، ليباركك الله حتى تغدو مصدر بركة للآخرين. في أحايين كثيرة، تكون معتقداتنا عن أنفسنا مجرد أفكار مكتسبة، أُضفيت إليها صبغة الذاتية، ثم تطورت إلى سلوكيات، ثم تضخمت شيئًا فشيئًا لتكتسب صفة الأصالة، وتهاجم قدراتنا الذهنية والفكرية الأصيلة، ما يؤدي إلى فقدان أصالتنا لصالح صفة دخيلة!

في الفصل الأول "هل أنت سئمٌ من نفسك؟"، يناشدك هارفي أن تقلع عن الأعذار والمبررات، لا تسمح لها بإيقاف مسيرتك في الحياة، ويشاركك الشعور نفسه في اختلاق الأعذار، لكنه يسبقك على الطريق معلنًا إقلاعه منذ زمن عن فخ الأعذار، وكان لذلك كبير أثر في نجاحه وبلوغه ساحة النجاح.

دلالات