عناوين تزدان بالفشل!

عناوين تزدان بالفشل!

20 مارس 2020
+ الخط -
نلحظُ بين فينة وأخرى أنَّ المحيط الذي نعيش ونتكيّف معه بحاجةٍ ملحّة إلى غربلة وغربلة متجذّرة، لأنه لا يزال مجبولاً بالأفكار والهواجس، والتراث الغني الذي يُولّد فيه الكثير من القناعات المزيّفة الراسخة التي تكرّس، وللأسف، الجهل! الجهل، الذي كنا نُمني النفس أنّه اندثر مع مرور الوقت، ولا يمكن وبهذه القناعة، أن نكون متطلّعين إلى عالم أعمّ وأشمل وأكثر انفتاحاً، إذا لم يكن لذلك الأفق الذي نبحث عنه، ونجري للحاق بركبه، أي قيمة أو فائدة ترتجى، ما دام أنّ هذه الهواجس تركت في نفوس الكثير من الشباب نقاط تلاقٍ مخيفة، وخطوط إمداد مؤلمة، وقد يكون الوصول إليها ميؤوساً منه، وخلو ذلك من أيّ هواجس تلهب الواقع وتتماشى معه.

وقد يتساءل البعض:
ماذا تعني هذه الهواجس؟ وما هو هذا الوجود الذي يضطرنا إلى الامتثال لها، أضف إلى أنّ هناك الكثير من التحدّيات التي فرضها علينا الزمن الذي أدمى القلوب، وقلّب المواجع، وأصابها في الصميم؟! ومن غير اللائق أن يكون للكثير من مفردات الحياة التي نعيش، بعض التحدّيات، لأنها تعكس مرآتها الحقيقية، وهي من صلب جذورها. ومن بين هذه المفردات، لا تزال هناك علامات بارزة تؤيد هذا الاتجاه أو ذاك، بما يلبّي رغبات الكثير من الشباب الطموح، والمراحل العمرية التي تليه، والذي يتدرج إلى واقع لا يزال يَحثُّ على الانخراط والاهتمام به.
دعونا ندخل في مفهوم هذه العلاقة، ومن أوّلها، بين الشاب والفتاة ومن أهم مفرداتها الحب، ومن ثم لا بد في نهاية الرحلة، من نهاية حتمية تجمع في ما بينهما تحت سقف واحد ما دام أنّ البحث عن الهدف هو من صلب قوام هذه العلاقة التي أريد لها أن تؤسّس لعلاقة وجدانية نظيفة، تتوج بالزواج.
علاقة يتزعمها رابط الحب وقدسيته، وفي النهاية فإنَّ اللقاء يتوّج بالزواج، وهذا هو المفهوم العام لأي علاقة صادقة، ويراد منها أن تكون مبنية على ثوابت صُلبة، وإلا فإنّها تواجه تحدّيات خطيرة، أو أن يكون هناك مد وجزر لهذه الرابطة مبدأه الفشل الذريع لأنه قائم على تحقيق مأرب ما!
وهناك مفهوم آخر عن صدق العلاقة التي تربط بين صديقين تعلّقا ببعضهما البعض، بعيداً عن أي من المسارات والأهداف أخرى.
الواقع يشير إلى أن هذه العلاقة تكرّس وداً حقيقياً، واحتراماً متبادلاً ما دامت مبنية على أسس صحيحة، قوامها الواقع السليم وليس لمجرد موقف بسيط، وغير مسؤول، تُهْدَم وتلغى وكأنها لم تكن! ومثال ذلك كثير، وهذا ما أساء للصداقة وأفرغها من مضمونها، وللأسف!
فكثير من العلاقات التي كانت مبنيّة على الحب والتفاهم والقناعة الكاملة، نجد أنها ترمي في الواقع، لتحقيق غرض ما، وبمجرد انتفاء هذه الحاجة، ترهّلت وتأجّجت نارها بين الطرفين، وأصابها فتور وإحباط، وآخر الدواء كما يقال الكي، بالانقطاع والابتعاد والتراخي والظنون، والاعتقادات الخاطئة، وبروز كل ما يثير لهذه العلاقة ويسيء إليها على السطح؛ بسبب الحكايات التي صارت تروى وتترصدها أعيننا، بعد أن كان يغلّفها الحب، ومثالها الاحترام والود، وما يعوّل عليها من رابط أخوي، وأهمّه الصدق.
أنموذجان من الحياة حاولنا قدر الإمكان إلقاء الضوء عليهما، والوقوف على مدى العلاقة، والرابط الذي يمكن أن يؤسس لعلاقة الحب والتآلف والتآخي والصدق بين الحبيب وحبيبته، والصديق وصديقه.

*الحالة الأولى، الخيانة، وعدم الجدية في اكتمال الصورة التي كانت رسمتها تلك الشابة، زوجة المستقبل، بعد أن تعلّقت بذلك الشاب الذي أذكى في بداية المشوار الأحلام، ورسم لها طريقاً مفروشاً بالورود والرياحين، فيه الكثير من الاحترام والشوق، إلّا أنّه فشل في ذلك، لأنه لم يكن مقنعاً في خطواته، وفي رغبته، وفي تعامله معها، وإنما أراد أن يقضي رغبته، والإفادة من تلك الإنسانةـ الحبيبة التي سبق أن تعلّقت به، ورسمت طريقاً، لم تصحُ منه إلّا فيما بعد، حيث وقعت في الاختيار الخطأ! في الفخ الذي هيأ له كل الطرق للإيقاع بها!
*الحالة الثانية، الصداقة، وما اعتراها من صور جميلة، وعلاقة حميمة، في بدايتها جمعت بين صديقين يحترمان بعضهما البعض، ولمجرد موقف بسيط، انهار كل شيء فجأةً، وكأن العلاقة بينهما لم تكن بالأصل مبنية على أسس صحيحة، والسبب، بالتأكيد وجيه ومقنع، وهو انحدار تعامل أحد الطرفين على الوتر الآخر، وكانت الغاية، ليس الوصول بالعلاقة إلى برّ الأمان، بل كان الهدف منها تحقيق مأرب مادي ما، أو الوصول إلى غرض آخر، كُشف مع مرور الوقت، ما أدى إلى تأجّجها وانقطاعها!
الحياة لا تتوقف عند موقف ما، فهي مستمرة، وفيها الحلو والمر. وقد تجمع بينهما يوماً بئر المودة، لأنها الغالبة على طبعها، وهي التي تجعلنا نتفاءل بها على الرغم من قسوتها. وتظل التحديّات التي تواجه الشباب، اليوم، فيها الكثير من الخطورة... والفشل الذريع هو عنوانها الأبرز.

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.