حين تعطل حاسبي تعطلت كل حياتي

حين تعطل حاسبي تعطلت كل حياتي

18 مارس 2020
+ الخط -
حين تعطّل حاسبي تعطلت كل حياتي، فهي مجتمعة داخله. اختفت الكتب والروايات التي أقرأ، والدروس التي أحضر، والنصوص والقصص التي أعيد قراءتها متحسرة على الأيام التي استطعت فيها تخيلها، والأفلام التي أعدها من عزاءات الحياة.

ببساطة، اختفى كل ما يشغلني، وصار يومي فارغاً. فصرت أنام نصف يومي وأتجول في أرجاء المنزل، وأراقب الجميع بينما يعملون. كانت ألواني؛ الأزرق والأحمر والأصفر التي جعلتني أسخط من تكرارها غير المؤدي إلى اللون الأسود الحقيقي مخبأة في مكان لا تصله يد مروة، ولم أفكر في استعمالها. والكتب المعروضة أمامي في مكتبة الأب أرفضها كما لو أني أتمتع بترف الاختيار، ولم أستطع الكتابة، فلم يبق لي خيار سوى الطبخ.


سبق أن قلت إن الطبخ والرسم يتشابهان. فكل مكون في الوصفة، والطريقة التي يمكن إضافته إليها قد تؤثر على جمال النتيجة. هذا ينطبق على الرسم أيضا. وبقدر ما أنا سريعة في الرسم كنت بطيئة في الطبخ. في اليوم التالي لم أطبخ، لكني رسمت على حائط سطح منزلنا بالفحم الخشبي المتبقي من حب أبي لشيِّ السمك. أبهرتني النتيجة، والذي فاجأني أن لا شيء أقترفه تعجب به زكية الداخلية. وبسبب رضاي قررت أن أرسم على الحائط المقابل، لم أفعل بل طبخت في اليوم الذي يليه، وأعيد الحاسب لي وعدت إلى الحياة الرتيبة.

بعد شهر، انتصر غضبي الذي يرغمني على الوصول إلى أعلى الحائط رغم قصري، ويجبرني على التوسع في جدراننا. وولد قلقاً من نقص الجدران المتاحة للرسم. وحين تنتهي جدران المنزل؟ ما أفعل؟ فلم تعد الأوراق تشفيني.

لم يتعطل الحاسب سوى أربعة أيام، لكنها كفت لأدرك كم لا أعيش، وكم أمنع نفسي من الإبداع، وأن ذاك السخط المتفجر من حين لآخر سببه القيود التي فرضتها الحياة الجدية بعد سن الثامنة عشرة. ظننت أن الاختلاف الوحيد هو أني سأمتلك القدرة على توقيع وثائقي بنفسي، لكن جدي كان محقاً حين قال "الهم بدا كيدخل معاكم".