حديث الساعة

حديث الساعة

16 مارس 2020
+ الخط -
منذ أسابيع ونحن عاطلون عن الحياة.. مرت الأيام ونحن نتداول المقولات والشائعات وننشرها مع رشة تهويل في بعض الأحيان على سبيل الضحك أو السخرية، متناسين أنه قد يوجد بيننا أناس يصدقون كل ما يُنشر ويخافون بشدة ونحن بهذه الطريقة نساهم في ضررهم، فالخوف يعني انخفاض المناعة في جسم الإنسان، وحرب هذا الفيروس مع الجسم لا يستطيع خوضها إلا من كانت مناعته قوية..

لذلك يرجى أن نتعقل ولا ننشر أيّة شائعات تصلنا قبل التأكد، وإن تأكدنا نخفيها عن كبار السن لأنهم الشريحة الأكثر عرضة لهذا الفيروس، ولا نجعل من صفحاتنا موقعًا للإحصائيات كموجز أنباء على رأس كل ساعة.

شغلنا البحث عن سبب انتشار الفيروس، وكيف خرج من الصين إلى كل العالم؟! لماذا لم يحتكره "الصينيون كما احتكروا معظم الصناعات وفازوا بلقب made in Chaina".. على الرغم من إغلاق المدن الموبوءة؟! إلى تلك الفترة كان معظمنا مطمئنًا ويظن أن كورونا صينية أصابت أكَلَة الخفافيش ولا تخصنا!

لكن لا نخفي إعجابنا بالنظرية التي انتشرت وروّج لها الأميركيون والأوروبيون، وكان مفادها: (أنهم باعوا أسهمهم في شركات تكنولوجية ذات قيمة عالية بأثمان زهيدة للحكومة الصينية، لأنها تعلم أن الأميركيين والأوروبيين يبحثون عن ذرائع للإيقاع بالاقتصاد الصيني وإفلاسه فضحت ببعض مواطنيها عوضًا عن أن تضحي بشعب بأكمله!

إن صحت هذه النظرية تكون الصين خدعت الجميع واستعادت ملكية معامل إنتاج التكنولوجيا والكيماويات، والأرباح كلها عادت لها بدلا من أن يذهب نصفها للمستثمرين، وتصريح الرئيس الصيني بأنه غير مستعد لإنقاذ البلاد من الفيروس سرّع عملية بيع الأسهم من قِبل الإمبرطوريات المستثمرة بأدنى سعر لتشتريها الصين.


غير أن الفيروس لم يكن بتلك الخطورة التي رُوِّج لها، وكان تحت السيطرة حتى بدأت الصين بإخراج المصل المضاد للفيروس والذي كانت تمتلكه منذ البداية في رفوف ثلاجاتها بعد أن نالت مبتغاها وكانت النظرية هذه تحت عنوان "كورونا الاقتصادية").

جدا كانت مقنعة في تلك الفترة.. ففي ميزان الدول الكبرى لا وزن لمئات المواطنين! لكن بعد أيام، بات الأمر يخرج عن هذه النظرية، حين سمعنا بالرعب الشديد في كاليفورنيا لدرجة أن مبيعات الملاجئ تحت الأرض ارتفعت جدا خوفًا من الفيروس، وهذه الملاجئ تسمى "ملجأ يوم القيامة" مخصصة للحروب والكوارث.

إلى أن بدأ يتسرب إلينا الخوف شيئًا فشيئًا، حين اعتذرت مكة من زوّارها وأغلقت أبوابها في وجههم، كما سمعنا رؤساء دول ورؤساء وزراء ومشاهير يصابون بهذا الفيروس.. فمن نحن حتى نستطيع حماية أنفسنا منه إن عجزوا هم؟!

ومنذ أيام قليلة أطلّ علينا رئيس وزراء بريطانيا ليخبرنا عن استحالة حصر الوباء وموت عدد كبير من البشرية في الأشهر المقبلة، لذلك علينا أن نحضر أنفسنا لفقد أشخاص من حولنا..! ياااه.. أين كنا وأين وصلنا من فيروس صيني "لإنقاذ اقتصاد دولة" إلى انتشاره بدول مجاورة لها.. ومن ثم إلى العالم بأكمله!

أصبحنا أمام وباء تفشى بسرعة كبيرة وصل إلى كل الدول.. واندرج على قائمة اهتماماتنا ومخاوفنا، بل احتلها كلها، لم يعد لدنيا سوى همّ الوقاية منه، وتتبع أنباء انتشاره، وفي كل صباح قبل القهوة وأي شيء نبحث في وسائل التواصل عن خبر يريحنا وينهي حالة الطوارئ المعلنة في ذواتنا أو بلداننا.

الأمر يستحق الجديّة والقلق وكل الحيطة والحذر، لأنني أخشى أن تكون الحرب العالمية الثالثة جاءت لزيارتنا في هيئة فيروس! حيث إن نسبة الانتشار المتوقعة بعد شهرين من الآن بحسب بعض الإحصائيات الطبية ستصل إلى أعداد سيكون من الصعب حصرها!

مجرد فيروس لا يُرى بالعين هزّ كيان دول لم تهتز لحروب قائمة منذ سنوات، زارهم من خلاله الموت الذي كانوا يتفرجون عليه عبر شاشات. صحيح هو لا يهددهم وحدهم بل يهددنا جميعًا لكن فيه شيء من عدالة الله..! فالنجاة منه تحتاج أمراً من الله ووقاية منا، في هذا الكلام مدعاة للاطمئنان لأننا نحسن الظن بالله ونعلم بأنه معنا.

وتكمن الراحة في قول الدكتور محمد راتب النابلسي: ممكن كائن لا يُرى بالعين أن يلغي الصلاة في مكة، ممكن أن يصل إلى أميركا والعالم؟ .. نعم ممكن. "ولا يعلم جنود ربك إلا هو"..  لكن الكلمة الدقيقة من رسول الله والتي لا تقدر بثمن (لا عدوى ولا طيرة) ولكن هناك عدوى والعدوى قائمة.. المعنى: لا عدوى إلا إذا سمح الله فأنت علاقتك مع الله، علاقتك مع الذي بيده كل شيء وهذا الكائن الذي لا يرى بالعين بيده أن يصرفه عنك وأن يحميك منه مهما كنت قويًّا ، ذكيًّا، غنيًّا.. أنت في قبضة الله والحافظ هو الله..

نحن قبل انتشار كورونا لم نكن نملك صك الخلود، لكن فكرة الموت كانت متجاهلة أو مغيَّبة عن حياتنا اليومية، والآن أصبح الكل يتداول هواجسه ويراه يقترب.. ربما هي فرصة لنعتبر ونصلح ما فسد فينا وندَّخر خيرًا لآخرتنا.

دلالات

avata
رفاه عثمان العياش
أكتب المقالات في عدة مواقع ولدي مجموعة خواطر باسم "بوح الياسمين" فيها عن ياسمينة اقتلعت من أرضها ورفضت أن تموت وتذبل فسقت روحها بحروف من حبر قلبها، ورواية "أنثى على قيد الحلم" كانت رسالة لكل أنثى علقت عمرها على حبال!

مدونات أخرى