تسع سنوات عجاف مرت

تسع سنوات عجاف مرت

16 مارس 2020
+ الخط -
في مثل هذا الأيام بدأنا يداً واحدة، وقلباً واحداً، وصوتاً واحداً ضد الاستبداد والظلم، وتوريث الحكم، لانتشال أنفسنا من مستنقع الاضطهاد إلى مستوى الإنسانية بأدنى حالاتها. وكان ثمن ذلك باهظاً حيث هُجِّرنا واعتقل بعضنا واستشهد الآخر، وبقيت القلة القليلة تحت سوط الجلاد مكرهين لا حول لهم ولا قوة.

نتيجة هذا الحراك أفرز المجتمع العديد من الأمراض الاجتماعية تراكمت على مدار العقدين الأخيرين، إذ كانت اليد الطولى لنظام البعث في زرعها. إذ بدأنا في البداية بهتاف "الشعب السوري واحد .. الشعب السوري ما بينذل"، وامتد هذا الهتاف من درعا إلى دمشق فحمص وحماه فالدير ثم الحسكة وحلب وإدلب والساحل عموماً..

لقد جسد هذا الهتاف مدى التلاحم بين الأعراق والطوائف والمذاهب في سورية بشكلٍ عام، فابن عامودا يهتف لابن درعا، وابن جبلة يهتف لابن حمص، وابن دمشق يهتف لابن الدير.. وهكذا. فالألم مشترك، والظلم مقسم بالتساوي على جميع أطياف شعبنا.


هذا التلاحم كثيراً ما أغضب نظام البعث الذي سرعان ما حاول تفتيته عبر أدواته القذرة بالتزامن مع استخدام قبضته العسكرية التي كان لها التأثير الأكبر في زرع هذه الأمراض، لتظهر بعدها الفتنة والكراهية والأحقاد بين العرب والأكراد، وبين المسيحيين والمسلمين، وبين الدروز والسنة.. وغيرهم، ولأسباب ربما تافهة.

وتوسعت تلك الفجوة لتصل إلى النزاع المناطقي، حيث الشرخ بين الريف والمدينة وبين الأرياف أنفسهم وبين المدن والمحافظات أنفسها وبين الأكراد أنفسهم والعرب أنفسهم وحتى بين الفصائل نفسها في بعض المناطق، لدرجة أنك بت تلاحظ في بيت واحد يوجد عسكري نظامي وعنصر فصيل معارض، وهم إخوة في الأساس جمعهم البيت وفرقتهم الحرب.

تسع سنوات يجب أن لا تكون مجرد ذكرى فقط نحتفل بها، وإنما يجب أن تكون نقطة تلاق جديدة تاركين خلافاتنا الطائفية والعرقية الإثنية والمناطقية والفصائلية، لنبدأ من جديد في الانطلاق يداً بيد، وندع الخلاف الذي زرعه بيننا جلادنا بهدف إفشالنا.

يجب أن نقدر بعضنا بعضاً ونستفيد من بعضنا بعضاً، ولنتبادل الآراء والأفكار فيما بيننا، ولنتناقش عن مصير مستقبلنا، فهناك جيل كامل سيسألنا يوماً ماذا فعلتم لنا من أجل مستقبل بلادنا؟.. وإلا سوف نكون أمام جيل يقتات على الجريمة ويمتهن السرقة ويحارب الفضيلة ويسحق القيم نتيجة الفراغ الذي يعيشه. فنحن مطالبون اليوم بالوقوف كسدٍ منيع في وجه هذه المخاطر ومعالجة أمراض اليوم التي ستصبح كوارث حقيقية غداً تفوق التصور.

نحن اليوم بأمس الحاجة لبعضنا بعضاً، عربي كردي تركماني سرياني شركسي مع اختلاف معتقداتنا، بأمس الحاجة للنهوض من جديد وإعادة بناء المجتمع الذي شاءت الأقدار أن نكون شركاء فيه، ونشر الفضيلة ومحاربة الفساد وسنصل إلى أهدافنا شاء جلادنا أم أبى بإذن الله.

لندع الخلافات جانباً، ولنبدأ بإعادة بناء العلاقات فيما بيننا، والتصالح مع ذاتنا، وإعادة نسيج المجتمع كما عهدناه بألوانه المختلفة الجميلة، ولنتبادل ثقافاتنا ونحترمها، ولننظر إلى واقعنا من المنظور الإيجابي لا السلبي.

15/03/2020 - 18/03/2020 يجب أن لا يبقيا مجرد تاريخ، بل يجب أن نصنع المعجزات في كل سنة من هذه الذكرى.

52038830-270B-40D3-A2CE-EFA972497453
عبد الرحمن رياض

سوري مقيم في أنقرة. أعمل في مجال الترجمة وطالب في كلية العلوم السياسية في ماردين