حول الدولة ووجودها في العراق

حول الدولة ووجودها في العراق

15 مارس 2020
+ الخط -
لو كان المعيار هو عضوية الأمم المتحدة والاعتراف الدولي، أو وجود خريطة ومؤسسات على الأرض، فإن العراق دولة -أقصد العراق الراهن-، مؤكد ولا نقاش بأنَّ الناس الموجودين يسمون عراقيين، لكن نحن معيارنا هنا هو الدولة بالمفهوم الحديث، وهي الدولة التي تمارس سلطتها على كل المواطنين وفق دستور متفق عليه، وحكومة تمثل التيارات الفائزة في الانتخابات وتحافظ على مصالح مواطنيها، عملياً أي المجسد والمتحقق على الأرض فإن العراق لا توجد فيه دولة أو هي فاشلة بهذا المفهوم.

أوضح مثال هو عدم قدرة الدولة على ضبط حالها وحال مواطنيها والأحزاب التي تمارس السياسة فيها، وعدم قدرتها على التعامل مع الدول الأخرى القريبة والبعيدة وفقاً للأعراف الدولية والمعاهدات الحاكمة للعلاقات الدبلوماسية.. إذا تسألني كيف؟ أقول لك فقط تأمل ما يجري الآن من اقتتال بين طهران وواشنطن على الأرض العراقية، مباشرة أو بشكل غير مباشر (عبر الموالين).

لا حاجة بأن نعود حتى إلى ما قبل شهرين أو ثلاثة، ما جرى خلال الأسبوع الحالي وحده كاف لإثبات أن الدولة العراقية عاجزة عن فرض سيطرتها، ليس على تدخلات الدول فقط، بل على الجماعات العراقية التي تقول إن لها صيغة قانونية ومن ثم فإن وجودها شرعي.

1- الولايات المتحدة وبناء على اتفاقية إجلاء القوات الأجنبية من العراق عام 2011 هي تعتبر خارجة، وعودتها كانت بطلب من الحكومة في وقتها عند ظهور داعش عام 2014، وهي ما زالت باقية في قواعد عسكرية عراقية، لكن الدولة لم تتمكن وإلى الآن من حماية هذه القوات الأميركية وغيرها من عنف الجماعات المنضوية تحت -الحشد الشعبي-، ولا أن تحمي السفارة الأميركية في العراق من التعرض إلى رشقات صاروخية بين حين وآخر، ولا أن تعترض على أصوات خارجة من طهران بطرد هذه القوات من العراق. الإسطوانة القديمة المشروخة التي تريد السلطات عبرها تبرئة نفسها من الأعمال المعادية للوجود الأجنبي لا تفيد بشيء، لأن السلطة تعلم علم اليقين من الذي يشن هذه الضربات، لكنها عاجزة..


2- الرد الأميركي على هذه الفصائل التي لا تخفي ولاءها لإيران وعدائها للأميركيين، أيضا ضد وجود الدولة، مع أن الأميركيين يقولون إن الحكومة لا تقدر على حماية جنودنا، ولهذا فإن ضرباتنا لمقار الحشد الشعبي هي من باب الدفاع عن النفس.

والمسؤولون يصرخون حالهم حال من خرج إلى الشارع يطالب، الحكومة أيضا تطالب، لكن ممن؟ ومن يلبي للحكومة إذا هي السلطة في البلد؟

3- الضربة التي وجهت إلى القوات الأميركية والبريطانية في معسكر التاجي الشهير شمال العاصمة بغداد.. أين كانت الدولة؟ وهل كانت قادرة على وقفها؟ بعدها وبعد الغارة الأميركية على المواقع الرسمية والحشدية، كثير من التصريحات المضادة للأميركيين خرجت من أفواه لا تمثل الدولة في مؤسساتها الرسمية، كلها من قادة ومتحدثين باسم الفصائل المسلحة، تحديدا حزب الله العراقي وحركة النجباء.

ولي هنا ثلاث ملاحظات في ضوء مناقشة فكرة الدولة:
أولا: (الرد يجب أن يأتي من الجهات الرسمية وغير الرسمية)..
كيف من الجهات غير الرسمية؟ ممكن الشعب يطالب حكومته بردّ على ما يراه انتهاكاً للسيادة، لكن الردّ غير الرسمي كيف؟ التفسير هو الفوضى وأن هناك قوى من غير القوات النظامية الرسمية داخل الدولة تتصرف وفقا لنهجها وليس بناء على النهج الحكومي، وهذا ناسِفٌ لفكرة الدولة..

ثانيا: (الأهداف كانت موضوعة قبل هذه الضربة الأميركية).
من الذي وضع هذه الأهداف؟.. الواضح أن الدولة لم تعلن حربا على الأميركيين وترى واشنطن دولة صديقة، ووضع أهدف أميركية من جهات خارج المؤسسات الرسمية تتحرك وعلاقاتها مع إيران غير خافية، وهذا ناسِفٌ لفكرة الدولة..

ثالثا: (الفصائل في اجتماع لبحث طرق الرد على الضربة الأميركية ومقتدى الصدر يعارض). فكرة الدولة تقول إن الدولة المتمثلة في الحكومة والبرلمان والرئاسة هي المعنية بالتعامل مع هذا الوضع، قادة هذه الفصائل ليس لهم مواقع داخل مؤسسات الدولة المعنية، إن المؤسسات السيادية في الدولة العراقية كلها استنكرت وبلهجة شديدة الوضوح الهجوم على الجيش الأميركي، مع اعتبار أن القصف الصاروخي لمعسكر التاجي كان اعتداء وإرهاباً، ما يعني أن المنفذين من هذه الفصائل حسب منطق قادة الدولة هم معتدون وإرهابيون.

في العموم الدولة ضائعة في العراق، وليس من حق أحد عدا المخولين المعنيين بالتصريح، في حين نسمع تصريحات حربية من أناس كل ما لديهم هو السلاح، وما من صفة رسمية يعرفون بها، تصرح وتهدد واضعة كل شيء تحت الأقدام!