كشوف العذرية... المرأة المصرية بين الاحتفال والاضطهاد

كشوف العذرية... المرأة المصرية بين الاحتفال والاضطهاد

12 مارس 2020
+ الخط -
بينما يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة في شهر مارس/آذار، يحمل الشهر نفسه إلى مصر ذكرى واحدة من أكثر جرائم النظام الحاكم فحشاً في حق نسائها، تلك الجريمة المعروفة باسم "كشوف العذرية".

وعلى الرغم من أن المرأة المصرية قد عانت كثيراً تحت حكم العسكر بداية من عام 1952، إلا أن انتهاكات غير مسبوقة ارتكبها النظام في حقها منذ ثورة يناير 2011، ولا سيما بعد الانقلاب العسكري عام 2013.

فقد شهدت مصر منذ عهد جمال عبد الناصر وحتى حسني مبارك، العديد من حالات الاعتقال والتعذيب وانتهاك الحرمات وهتك عرض النساء. وراوحت حدة تلك الانتهاكات بين القمع الشديد والمخفف، وفقاً للظروف المجتمعية والسياسية لكل حقبة زمنية وعهد رئاسي. لكن الثابت هو تعرض نساء مصر للاضطهاد والتنكيل على اختلاف مرجعياتهن الفكرية، على يد العسكر.

وتصاعدت تلك الانتهاكات بمستويات وأنماط غير مسبوقة منذ أن ظهر اسم اللواء "عبد الفتاح السيسي" على الساحة المصرية، وذلك منذ ثورة يناير 2011، حين كان مديراً للمخابرات الحربية ومسؤولاً عن كل الأجهزة الأمنية في مصر، وتزايدت وتيرة تلك الانتهاكات بعد استيلائه على السلطة بانقلاب عسكري عام 2013.


ومن أبرز انتهاكات حقوق المرأة التي ارتكبت بقيادة السيسي، ما عرف بـ"كشوف العذرية". ففي مارس/آذار 2011، اعتصم عدد من ثوار يناير في ميدان التحرير للمطالبة بمحاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك ورموز نظامه الفاسدين. وفُضَّ الاعتصام بالقوة، واعتُقل عدد من المشاركات اللاتي تعرضن للضرب ولصدمات كهربائية، وجُرِّدنَ من ملابسهن بدعوى التفتيش الذاتي، كذلك أُخضعن لفحوص عذرية رغماً عنهن.

وقد انطوت هذه الفحوص على تحرشات جنسية وعبث بأعضائهن التناسلية، وذلك بهدف إذلالهن وتحطيم معنوياتهن، عقاباً لهنّ على المطالبة بحقوقهن والمشاركة في ثورة يناير، وذلك وفقاً لشهادات بعض ممن أُجريت عليهن تلك الفحوص قسراً، ومنهن سلوى حسني، ورشا عبد الرحمن، وسميرة إبراهيم التي قاضت المجلس العسكري لإخضاعها لكشوف العذرية.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2011، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً بإيقاف إجراء كشوف العذرية على المحتجزات في السجون، وأقرت بأنها انتهاك للكرامة الإنسانية وسلامة الجسد ولحقوق الإنسان.

وفي يناير/كانون الثاني 2012 بدأت المحكمة العسكرية محاكمة صورية للمجند الطبيب أحمد عادل محمد الموجي لقيامه بتوقيع فحص العذرية القسرية المشار إليه، الأمر الذي انتهى بتبرئته في مارس/آذار 2012.

وفي تجسيد آخر لهذه الدياثة، برر السيسي كشوف العذرية باعتبارها إجراءً روتينياً لحماية قوات الجيش من اتهامات محتملة بالاغتصاب. واعترف اللواء حسن الرويني، قائد المنطقة الشمالية العسكرية، وعضو المجلس العسكري الحاكم بعد مبارك، بارتكاب قادة الجيش جريمة كشف العذرية، وذلك في تسريب صوتي أُذيع في 22 يناير/كانون الثاني 2020.

ولا تزال سلطات الانقلاب العسكري في مصر تنتهك حقوق النساء وتهتك أعراضهن، ولا سيما معتقلات الرأي. فبالإضافة إلى كشوف العذرية واختبارات الحمل، تمارس سلطات العسكر أيضاً الفحص الشرجي، والتفتيش الذاتي والعبث بالأعضاء التناسلية للمعتقلات وزائرات المعتقلين السياسيين أيضاً. تلك الممارسات التي تهدف في المقام الأول إلى الإيذاء الجسدي والنفسي وكسر الروح المعنوية لقمع أي معارضة محتملة من جانب هؤلاء النساء أو ذويهن، خاصة أنها تحدث تحت سمع وبصر رجال من سلطات حكم العسكر، الأمر الذي وثقته العديد من المنظمات الحقوقية والنسوية.

وبجانب كشوف العذرية، كان من أبرز الانتهاكات التي مارسها النظام على المرأة المصرية أيضاً اعتداء قوات النظام على "ست البنات" في ديسمبر/كانون الأول 2011، وضربها بوحشية وسحلها وتعريتها.

كذلك وُثِّقَت العديد من حالات الاعتداء على النساء، ومنها على سبيل المثال 91 اعتداءً جنسياً في ميدان التحرير في يوليو/تموز 2013، فضلاً عن 524 واقعة اعتداء جنسي قامت بها قوات الأمن في أثناء التظاهرات المناهضة للانقلاب، و317 حالة كشف حمل أخضعت لها الفتيات والنساء قسراً في أثناء ترحيلهن إلى السجون ومقارّ الاحتجاز وفي داخلها، و30 جريمة اغتصاب ضد نساء المعارضة من 30 يونيو 2013 حتى نوفمبر 2014.

وفي عام 2018، أصدرت "بي بي سي" تقريراً مفصلاً عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، متضمناً توثيقاً لجرائم اختفاء قسري وتعذيب وحشي واغتصاب ارتكبتها أجهزة النظام الأمنية في حق نساء مصريات، منهن زبيدة إبراهيم عام 2016. وصنفت مؤسسة "رويترز تومسون" مدينة القاهرة أخطر مدينة في العالم بالنسبة إلى النساء، في استطلاع أجرته عام 2017.

ولن ينسى التاريخ أن العسكر قد اضطهدوا نساء مصر وامتهنوا كرامتهن، ليس فقط بكشوف العذرية، بل بأساليب متعددة. فهم من قتل "سالي زهران، وكريستين سيلا، وحبيبة عبد العزيز، وهالة أبو شعيشع، وأسماء البلتاجي، وميادة أشرف، وشيماء الصباغ، ومريم سالم" وغيرهن.

وقد اضطهدوا دون رادع من ضمير أو إنسانية كلاً من "سمية ماهر، وعلا القرضاوي، وهدى عبد المنعم، وعائشة الشاطر، وريم دسوقى" ورفيقاتهن من سجينات الرأى. ولسوف يأتي اليوم الذي يسقط فيه حكم العسكر، ويعاقب كل ديوث، وتردّ فيه للمصريات حقوقهن المسلوبة، وليحتفلن كغيرهن باليوم العالمي للمرأة.