باب عمر باشا (2/9)

باب عمر باشا (2/9)

10 مارس 2020
+ الخط -
سارت إلينا وحسين عائدين إلى منزلهما وهما في منتهى الفرح والنشوة، بعد مشاهدتهما لهذا الفيلم الغرامي وسماعهما أغاني عبد الحليم حافظ الغرامية، كانت الشوارع شبه خالية، فاليوم هو الأحد، عطلة إلينا من المدرسة، كذلك عطلة كل المحلات التي يمتلك معظمها أوروبيون وقليل من المصريين.

وأثناء سيرهما في شارع فؤاد متجهين لشارع العطارين، أمسك حسين بيد إلينا كما فعل عبد الحليم بيد لبنى عبد العزيز، ولم تمانع إلينا ذلك، بل ظهر على وجهها الحبور، وترحيب فيه بعض من الخجل، كان الشارع خالياً تماماً من المتطفلين أو المارة، نظر حسين إلى وجه إلينا المرمري الجميل وقال: هل قلت "لمامتك" إنك ذاهبة معي إلى السينما؟


أجابت: طبعاً و"مامي" كانت معترضة في البداية، لكني أقنعتها بأنها تعرفك وتعرف أسرتك، فأنتم جيراننا منذ سنوات طويلة وهي تثق بأخلاقك، لكن عندها بعض التحفظات على تفكير السيدة "مامتك"، وقالت لي إن الذهاب مع حسين إلى السينما فقط، وليس أي شيء آخر.

استمرت إلينا في الحديث، وسألته: وهل قلت "لمامتك" إنك ذاهب معي إلى السينما؟
نظر حسين إلى إلينا محتداً: نعم قلت لأبي وأمي، وقد وافق أبي وأعطاني مصروفاً كبيراً من أجل هذا اليوم، على شرط الذهاب بعد الانتهاء من اليوم الدراسي، وأن نذهب في النهار والعودة في النهار.

ثم سأل حسين: وماذا تعني السيدة "مامتك بالذهاب" إلى السينما فقط وليس أي شيء آخر؟
إلينا بخباثة: لكنك لم تقل شيئاً عن موافقة مامتك؟
أجاب: لقد اعترضت أمي على هذه النزهة وقالت لي: عليك الانتباه إلى المذاكرة والانتهاء من الدراسة والعمل، لكي أساعد في تجهيز أخواتي البنات اللاتي يصغرنني بسنوات عدة، لكن أبي قال لها إن هذا كلام سابق لأوانه.

ضحكت إلينا ولم تجاوب عن سؤال حسين والتزمت الصمت. فلم يكرر حسين سؤاله.

عند تقاطع العطارين مع شارع فؤاد دارت إلينا وحسين ناحية اليسار إلى شارع العطارين الذي يقطنان في الربع الأخير منه في حي باب عمر باشا، أو سوق النصارى كما يسميه العامة.

لم يتكلم أحد منهما وبقيا صامتين لمدة ليست بالقصيرة. وفجأة التفت حسين إلى إلينا بوجه حزين وقال: هل أنت غاضبة من رأي أمي؟

إلينا: طبعاً لا. ولماذا أغضب منها؟ لكنني أقدّر فيك صدقك وشجاعتك، فكان من الممكن أن تقول إن "مامتك" موافقه وهذا كان سيسبّب لي إحراجاً، لأنني أقابلها كثيراً عندما تأتي إلى مسكننا لشراء أشياء من "مامي" أحضرتها إليها من دكان بابا، فنتبادل التحية، والآن عرفت رأيها. استمرت إلينا مبتسمة بمشاكسة لطيفة، وقالت: سوف أقول "لمامي" أن ترفع الأسعار عليها.

فقال حسين مبتسماً: لقد مضى وقت طويل على آخر مرة أتيت فيها إلى شقتنا للعب مع أختي الصغيرة.
قالت إلينا: منعتني "مامي" من الذهاب إلى شقتكم واللعب مع أختك الصغيرة، وأنا الآن لدي اهتمامات أخرى غير اللعب مع الأطفال، فقد كبرت على هذا.
حسين: وما هي اهتماماتك الجديدة؟
إلينا: اهتمامات خاصة، وليس لك دخل بها. كذلك أحب قراءة القصص الرومانسية، مثل الروايات الفرنسية وروايات إحسان عبد القدوس كاتبي المفضل بالعربية.

حسين وقد تشجّع عند سماعة كلمة الرومانسية: لذلك كنت تبكين عند سماعك عبد الحليم يغني تخونوه.. ومن هو الذي خانك؟

نظرت إلينا إلى حسين بعيون ساحرة مليئة بعبارات لم يفهمها، وقالت بابتسامة ساحرة: لم يخني أحد، لكن كانت الأغنية حزينة فتفاعلت معها، واستمرت بجدية: كيف لم تنفعل أنت مع هذه الأغنية الرقيقة؟
حسين: لقد انفعلت مع الأغنية، لكن ليس إلى درجة البكاء والدموع الغزيرة مثلك.

للقصة بقية...

دلالات

B255BE3A-BC30-417B-932F-104B8C087B7D
حسن الحداد

كاتب مصري مقيم في أميركا

مدونات أخرى